الأربعاء السادس من الصوم الكبير «الإنجيل

 

 

إنجيل اليوم ( لو 11/ 37-48)

 

 

37 وفيما هو يَتَكَلَّمُ، سَأَلَهُ فِرِّيسيٌّ أن يَتَغَدَّى عِندَهُ. فدَخَلَ واتَّكَأ.

 

38 ورَأَى الفِرِّيسيُّ أَنَّ يَسُوعَ لَم يَغتَسِلْ قَبلَ الغَداء، فتَعَجَّبَ.

 

39 فقالَ لَهُ الرَّب ّ:"أَنتُمُ الآنَ، أَيُّها الفِرِّيسِيُّون، تُطَهِّرونَ خَارِجَ الكَأسِ والوِعَاء، وداخِلُكُم مَملُوءٌ نَهبًا وشَرًّا.

 

40 أَيُّها الجُهَّال، أَلَيسَ الَّذي صَنعَ الخَارِجَ قد صَنَعَ الدَّاخِلَ أَيضًا؟

 

41 ألا تَصَدَّقوا بِما في دَاخِلِ الكَأسِ والوِعاء، فيَكُنْ لكُم كُلُّ شَيءٍ طاهِرًا.

 

42 لكِنِ الوَيلُ لكم، أَيُّها الفِرِّيسِيُّونَ! لأنَّكُم تُؤَدُّونَ عُشُورَ النَّعنَعِ والسَّذابِ وكُلِّ البُقول، وتُهمِلونَ العَدلَ      ومحبَّةَ الله. وكانَ عَلَيكُم أَن تَعمَلوا بِهذِهِ ولا تُهمِلوا تِلكَ.

 

43 الوَيلُ لَكُم، أَيُّها الفِرِّيسيُّون! يا مَن تُحِبُّونَ صُدُورَ المَجالِسِ في المَجامِع، والتَّحِيَّاتِ في السَّاحات.

 

44 الوَيلُ لَكُم، لأَنَّكُم مِثلَ القُبورِ المَخفِيَّة، والنَّاسُ يَمْشُونَ علَيها ولا يَعلَمُون".

 

45 فأَجابَ وَاحِدٌ مِنَ عُلَمَاءِ التَّورَاةِ وقَالَ لَهُ: "يا مُعَلِّم، بِقَولِكَ هذا، تَشتُمُنا نَحنُ أَيضًا".

 

46 فقال: "الوَيلُ لَكُم، أَنتُم أَيضًا، يا عُلَماءَ التَّورَاة! لأنَّكُم تُحَمِّلونَ النَّاسَ أَحمالاً مُرهِقَة، وأَنتُم لا تَمَسُّونَ هذِه الأَحمَالَ بإِحدَى أَصَابِعِكُم.

 

47 الويلُ لَكُم! لإِنَّكُم تَبنُونَ قُبورَ الأَنبِياء، وآباؤكُم هُمُ الَّذينَ قَتَلُوهُم.

 

48 فأَنتُم إذًا شُهُود! وتُوافِقُونَ على أَعمالِ آبائِكُم، لأنَّهُم هُم قَتَلُوهُم وأَنتُم تَبنُونَ قُبورَهُم.

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

 

 أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم العنوان التالي "الويل للفرّيسيّين والكتبة"؛ له نصّ موازٍ  في متّى (23: 4، 6-7، 13، 25-27، 29-31، 34-36).

 

 

 الآيات (37-41)

 

سأل أحد الفرّيسيّين يسوع أن يتغدّى عنده، فلبّى الدعوة، ودخل واتّكأ؛ لكنّ الفرّيسيّ الذي رآه يجلس على المائدة قبل أن يغتسل، تعجَّبَ، وفي سرّه، تَساءل! فأجابه يسوع بقساوة، قائلًا له، وبواسطته للفرّيسيّين عمومًا: أنتم مراؤون، لأنّكم تتقيّدون، بدقّة، بفرائض الشريعة التي تطهّر الخارج، ولا تفعلون الشيء ذاته بالنسبة إلى الداخل، لذلك "داخلكم مملوءٌ نهبًا وشرًّا"؛ أنتم جُهّال، لأنّكم تغفلون عن الحقيقة التي تقول بأنّ الله الذي صنع الخارج، هو عينه، صنع الداخل، وبأنّ هذا مرجع لذاك! فعليكم إذن، أن تعكسوا قاعدة تقيّدكم بفرائض الشريعة: فتحافظوا على تلك التي تطهّر الداخل، وعندها، يصبح كلّ شيء طاهرًا لكم.

 

 

 الآيات (42-46)

 

ينذر يسوع "بالويل" الفرّيسيّين، لأنّهم يتقيّدون بتأدية عشور النعنع والسذاب وسائر البقول، ويهملون ما يفرضه العدل، وما تفرضه محبّة الله، وفي تعاملهم الاجتماعيّ على اختلاف أنواعه ومستوياته؛ وينذر يسوع "بالوَيل" أيضًا الفرّيسيّين، لأنّهم يحبّون صدور المجالس في المجامع، والتحيّات في الساحات، أي استغلال مقامهم الدينيّ للحصول على المجد الباطل؛ وينذر يسوع "بالوَيل" أيضًا علماء التوراة أنفسهم، لأنّهم يحمّلون الناس أحمالًا ثقيلة، هي تفسيراتهم المعقّدة للتوراة، بينما هم لا يحملون هذه الأحمال، ولا يساندون حامليها، حتّى ولو كانوا في حاجة إلى ذلك.

 

 

 

 الآيتان (47-48)

 

وينذر يسوع "بالوَيل" الفرّيسيّين، لأنّهم يبنون قبورًا لأنبياءَ قَتَلَهُم آباؤهم، فيشهدون بعملهم هذا، على أنّ آباءهم قد قتلوهم، وكأنّهم يوافقون على أعمال آبائهم؛ أمّا في متّى (23: 29-31)، فيقولون: "لو كنّا في أيّام آبائنا، لما شاركناهم في دم الأنبياء" (30).

 

 

 نودّ أن نشير أخيرًا إلى أنّ ما تَسَجَّلَ في الإنجيل، وأوردناه أعلاه، من وصف لمسلكيّة الفرّيسيّين وموقفهم من يسوع، ومن حكمٍ على تلك المسلكيّة وذاك الموقف، إنّما هو لإبراز النتيجة الخطيرة التي حصلت، وللتحذير مِمّا يؤدّي إليها.

 

 

 فالنتيجة الخطيرة التي يشير إليها يسوع بقوله للفرّيسيّين: أنتم "قبور" في داخلكم، بنواياكم النجسة، غير  المستقيمة وغير المتجرّدة، والتي لا تخفى عليكم شخصيًّا، ولا تخفى على الله، ولكنّها قد تخفى على الناس أو بعضهم، إذ يرون خارجكم بالمظهر المرتّب والمتلائم مع المألوف في أوساط الفئات الأرقى في المجتمع.

 

 

 والتحذير ينبثق من الأسئلة الكثيرة التي تتبادر إلى ذهن القارئ، ومنها التالية كيف ولماذا انقاد الفرّيسيّون إلى هذا المستوى المتردّي في فهمهم للشريعة، وفي كيفيّة ممارسة فرائضها، وهم المؤتَمَنون عليها والحامون لها؟

 

ولماذا، يا ترى، تَسَجَّلَت في الأناجيل المقدّسة، مواقف الفرّيسيّين المسبَقة، وطرق سلوكهم الخارجيّة هذه؟ ألأنّها أمثلة عامّة عن التجربة التي يتعرّض لها المؤتمنون على الوديعة الإيمانيّة في المسيحيّة؟ وبالتالي، بهدف تحذيرهم من الوقوع فيها، والانقياد لها؟!

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

نحن أمام جدال بين يسوع والفرّيسيّين، انطلق من رفض يسوع ممارسة طقس غسل اليدين قبل الغداء، وامتدّ إلى التنديد بعلماء التوراة الذين يتوخّون التسلّط بواسطة معرفتهم ، وتعقيد المتطلّبات الدينيّة.

 

 

أخذ يسوع على الفرّيسيّين الفصل بين الخارج والداخل، وكبير اهتمامهم الدينيّ بالخارج دون الداخل، مشدّدين على تطهير خارجهم بالتقيّد الضيّق بممارسة الشريعة (الاغتسال الطقسيّ، حفظ السبت، الختان...)، وغير مبالين بداخلهم الذي، غالبًا، ما ظلّ مملوءًا نهبًا وشرًّا ونجاسة.

 

 

 

 وأخذ يسوع على علماء التوراة ما لديهم من تناقض في حياتهم، إذ يضيفون فرائض عديدة على شريعة موسى، ويضعونها على مناكب الناس، ولكنّهم، هم، لا يمسّونها بإحدى أصابعهم؛ ويكرّمون الأنبياء، ويبنون لهم المدافن الفخمة، ويرفضون بخاصّة، قبول يسوع والإيمان به، هو الذي عنه تكلّم الأنبياء.

 

 

أمّا الصحيح في كلّ ذلك، فهو في عدم الفصل بين الداخل والخارج، لأنّ الذي صنع الخارج قد صنع الداخل أيضًا؛ ولأنّ الخارج ليس إلّا صورة عن الداخل؛ والصحيح، هو أيضًا، في أنّه عليهم أن يعملوا، في  الوقت نفسه، ما يكمّل  الخارج ويقدّسه، وما يكمّل الداخل ويطهّره.

 

الأب توما مهنّا