مَن يخدم الله يصبح متحررا من المال، أما مَن يخدم المال فيظل عبدا له

متفرقات

مَن يخدم الله يصبح متحررا من المال، أما مَن يخدم المال فيظل عبدا له

انطلق قداسة البابا في عظته مترئسا اليوم الأحد قداسا الهيا في كنيسة القديسة حنة في الفاتيكان من كلمات يسوع "ما مِن خادِمٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن... فأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِله ولِلمال". هذا وأكد قداسته في ختام عظته أننا لا نريد أن نذعن أمام مآسي شعوب يسحقها العنف واللامبالاة.

ترأس البابا لاوُن الرابع عشر صباح اليوم الأحد ٢١ أيلول سبتمبر قداسا إلهيا في كنيسة القديسة حنة في الفاتيكان. وفي بداية عظته أعرب قداسته عن سعادته لترؤس القداس في هذه الرعية البابوية، ووجه تحية أرفقها بالشكر إلى الرهبان الأغسطينيين الذين يقدمون هنا خدمتهم. ثم تحدث البابا عن هذه الكنيسة فقال إنها تقع في مكان خاص هو أيضا مفتاح للخدمة الرعوية لهذه الكنيسة، فنحن نوجد على الحدود إن صح التعبير حيث يمر أمام هذه الكنيسة جميع من يدخلون إلى حاضرة الفاتيكان ويخرجون منها، قال الأب الأقدس. وتابع أن هناك مَِن يمر بحكم عمله ومَن يمر كضيف أو حاج، مَن يُسرِع ومَن يمر بهدوء. فليختبر الجميع أن هنا توجد أبواب وقلوب منفتحة على الصلاة والإصغاء والمحبة، أضاف قداسة البابا.

انتقل الأب الأقدس بعد ذلك إلى قراءة اليوم فقال إن الإنجيل اليوم يحفزنا على أن نتفحص بانتباه رباطنا بالرب وبالتالي فيما بيننا. وقال البابا إن يسوع يفصل بشكل قاطع بين الله والثراء طالبا منا أن نأخذ قرارا واضحا وقويما، حيث قال: "ما مِن خادِمٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن... فأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِله ولِلمال" (راجع لو ١٦، ١٣). وقال الأب الأقدس إن هذا ليس اختيارا يقبل احتمالات أو يمكن إعادة النظر فيه مع مرور الزمن حسب الظروف، فالمطلوب هنا هو أن نقرر أسلوب حياة بكل معنى الكلمة. وواصل البابا لاوُن الرابع عشر أننا نتحدث عن اختيار أين نضع قلبنا، أن نوضح مَن نحب بصدق، مَن نخدم بتفانٍ وما هو بالفعل خيرنا.

ولهذا يضع يسوع الله والمال في تناقض، قال قداسة البابا، فالرب يتكلم بهذا الشكل لأنه يعلم أننا مخلوقات فقيرة وأن حياتنا مليئة بالاحتياجات، فمنذ ولادتنا، فقراء وعراة، نحتاج جميعا إلى الرعاية والمحبة، إلى بيت، غذاء، ملابس. وواصل الأب الأقدس متحدثا عن خطر أن يأخذ التعطش إلى المال مكان الله في قلوبنا حين نعتقد أن المال هو ما سينقذ حياتنا، وذلك مثلما فعل الوكيل الخائن في المَثل الذي يرويه يسوع (راجع لو ١٦، ٣-٧). فالتجربة تكمن في الاعتقاد بأن بإمكاننا أن نعيش بدون الله بشكل جيد، بينما بدون مال سنكون حزانى ولدينا احتياجات كثيرة، قال البابا لاوُن الرابع عشر. وتابع أننا وأمام اختبار العوز نشعر بأننا مهددون ولكن، وبدلا من أن نطلب المساعدة بثقة وأن نتقاسم بأخوّة، فنحن نميل إلى إجراء حسابات والاكتناز فنشك في الآخرين ولا نثق فيهم. وقال قداسة البابا إن هذه الأفكار تُحوِّل القريب إلى منافس، إلى غريم أو شخص يمكن الاستفادة منه. وذكَّر قداسته هنا بحديث النبي عاموس عمن يريدون أن يجعلوا من المال أداة للهيمنة وينتظرون بفارغ الصبر لحظة شراء الضعفاء بالفضة مستغلين الفقر (راجع عاموس ٨، ٦). أما الله فعلى العكس يجعل خيور الخليقة للجميع، قال قداسة البابا وتابع ان فقرنا كمخلوقات هو دليل وعد ورباط يعتني بهما الرب بنفسه. وذكَّر الأب الأقدس بأن صاحب المزامير يصف أسلوب العناية الإلهية هذا حين يتحدث عن الرب "الذي تنازل ونظر إلى السموات والأرض" والذي "يُنهض المسكين من التراب وُيقِيم الفقير من الأقذار" (راجع مز ١١٣، ٦٠٧). وهكذا يتصرف الأب الصالح، قال البابا لاوُن الرابع عشر، دائما وإزاء الجميع، لا فقط إزاء مَن هو فقير بخيور الأرض بل وأيضا إزاء الفقر الروحي والأخلاقي الذي يصيب على حد سواء الأقوياء والضعفاء، الفقراء والأغنياء.  

وواصل البابا لاوُن الرابع عشر عظته أن الرب لا يجعل البشر في طبقات غريمة بل يحث الجميع على ثورة داخلية، على ارتداد يبدأ من القلب. وهكذا ستنفتح أيادينا للعطاء لا للانتزاع، قال الأب الأقدس، هكذا ستنفتح عقولنا للتخطيط لمجتمع أفصل لا لعقد صفقات بأفضل سعر. ثم ذكَّر البابا بما كتب القديس بولس: "أَسأَلُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ أَن يُقامَ الدُّعاءُ والصَّلاةُ والاِبتِهالُ والشُّكرُ مِن أَجْلِ جَميعِ النَّاس ومِن أَجْلِ المُلوكِ وسائِرِ ذَوي السُّلْطَة" راجع ١ طيم ٢، ١-٢)، وأضاف الأب الأقدس أن الكنيسة تصلي اليوم بشكل خاص كي يكون حكام الأمم متحررين من تجربة استخدام المال ضد الإنسان، محولين المال إلى أسلحة تدمر الشعوب وإلى احتكارات تزدري العَمَلة. وواصل البابا أن مَن يخدم الله يصبح متحررا من المال، أما مَن يخدم المال فيظل عبدا له، مَن يسعى إلى البِر يُحوِّل المال إلى خير مشترك، أما مَن يسعى إلى الهيمنة فيُحوِّل الخير المشترك إلى فريسة لجشعه.

تحدث قداسة البابا بعد ذلك عن تسليط الكتاب المقدس الضوء على هذا التشبث بالخيور المادية والذي يجعل قلوبنا تتخبط ويُحرِّف مستقبلنا. وأضاف الأب الأقدس أن القديس أغسطينوس يعلق على شخصية الوكيل الخائن الذي يحدثنا عنه الإنجيل فيقول إن هذا الوكيل يهتم بحياة ستنتهي لا بالحياة الأبدية. ثم ختم البابا لاوُن الرابع عشر عظته شاكرا مَن يتعاونون بأشكال مختلفة للحفاظ على جماعة هذه الرعية حية ويقومون بعمل رسولي سخي. كما وأراد قداسته تشجيع الجميع على المثابرة برجاء وذلك في زمن تهدده بشكل خطير الحرب. وأضاف البابا ان هناك اليوم شعوبا بكاملها يسحقها العنف، وتسحقها بشكل أكبر لا مبالاة شائنة تترك هذه الشعوب بمفردها أمام مصير بائس. وتابع البابا لاوُن الرابع عشر أننا لا نريد أن نذعن أمام هذه المآسي بل أن نعلن بالكلمة وبالأفعال أن يسوع هو مخلص العالم، هو مَن يحررنا من كل شر. وتضرع قداسته كي ترتد قلوبنا يغذيها القربان الأقدس لنصبح شهودا للمحبة والسلام.