عظة البطريرك الراعي - عيد الميلاد «متفرقات

 

 

 

 

 

"أبشّركم بفرحٍ عظيمٍ يكون للشّعب كلّه: وُلد اليوم لكم مخلِّص هو المسيح"(لو2: 10-11)

                                                                                           

 

 

   فخامة الرّئيس

 

 

1. يسعدنا جميعًا أن تكونوا مع السّيّدة اللّبنانيّة الأولى عقيلتكم على رأس المحتفلين بهذه اللّيتورجيّا الإلهيّة في عيد ميلاد فادي الإنسان ومخلّص العالم، يسوع المسيح، "الإله الذي صار إنسانًا، ليؤلّه الإنسان" (القدّيس أمبروسيوس). إنّكم بحضوركم، محاطين بهذه الكوكبة من أصحاب المقامات السياسية والقضائية والعسكرية والحزبية والإخوة والأخوات، تحيون عادةً حميدةً تُبهج أسرتنا البطريركيّة وهذا الصّرح.

 

 

 

2. فيطيب لي أن أعرب لكم، فخامة الرّئيس، عن أطيب التّهاني والتّمنّيات بالميلاد المجيد والسّنة الجديدة الطّالعة 2019. ونسأل الله أن يبارك خُطاكم ويزيدكم حكمةً في قيادة الوطن الحبيب وسط ما يحيط به من صعوبات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، وما يلحق به من نتائج الحروب والنّزاعات الدّائرة في المنطقة. نحن نشعر معكم بالغصّة، إذ كنتم ترغبون أن تُبهجوا الشّعب اللّبنانيّ وتكمّلوا فرحة العيد بإهداء حكومة جديدة لوطن يُطعن من الدّاخل، ولشعبٍ يتآكله القلق واليأس وفقدان الثّقة بحكّامه.

 

 

 

كما يُسعدني أيضًا أن أقدّم أخلص التّهاني والتّمنّيات بالأعياد لكلّ الحاضرين معنا، بل لجميع اللّبنانييّن مقيمين ومنتشرين.

 

 

وإنّا نصلّي معًا من أجل الاستقرار في وطننا بتأليف حكومة جديدة، والسّلام في بلدان الشّرق الأوسط، وعودة جميع النّازحين واللّاجئين إلى أوطانهم وبيوتهم، حفاظًا على حقوقهم المدنيّة وثقافتهم الوطنيّة وتاريخهم.

 

 

 

3. يوم ميلاد ابن الله إنسانًا لخلاص العالم، كانت البُشرى "بالفرح العظيم لجميع النّاس" (راجع لو2: 10-11). وكان إعلانها الأوّل لرعاة بيت لحم البسطاء المتواضعين والبعيدين عن كبرياء وأنانيّة أغنياء أورشليم. فتلقّوها بإيمانٍ وحبٍّ، وأسرعوا إلى المذود، حاملين هدايا حبّهم كما أنشد القدّيس أفرام السّريانيّ: "ليوسف لحمًا نقيًّا، ولمريم حليبًا لذيذًا، وللطّفل تسبيحًا. وقدّموا حَمَلاً رضيعًا لمن سيكون حَمَل الفصح، بكرًا للبكر، ذبيحًا للذّبيح، حَمَلَ الزّمان لِحَمَلِ الحقّ".

 

 

 

وكانت البُشرى لعلماء الفلك، مجوس بلاد فارس، فقرؤوها في حركة النّجوم. رأوا وآمنوا وجاؤوا من بعيدٍ إلى بيت لحم على هدي النّجم، وقدّموا هداياهم النّبويّة الصّادرة من قلوبهم المؤمنة والمُحبَّة: ذهبًا لِمَن هو المَلِك، ولُبانًا – بخورًا لِمَن هو الكاهن، ومرًّا – حنوطًا لذبيح الفداء.

 

 

 

 

4. من الرّعاة والمجوس انطلقت عادة تقديم الهدايا في عيد الميلاد. وكان شعبنا اللّبنانيّ ينتظر هديّة العيد: حكومة جديدة بعد انتظار سبعة أشهر كاملة، تخرجه من قلق المعيشة والأزمة الإقتصاديّة المتسببة بتفكّك العائلة والحياة الزّوجيّة وتدنّي الأخلاق وسقوط معظم شبابنا ضحايا المخدّرات ومروّجيها المحميّين.. ونعرف أنّ هذه كانت رغبتكم، فخامة الرّئيس، ورغبة المحبّين حقًّا للبنان وشعبه ومؤسّساته. فكان أنّ أصحاب القلوب الفارغة من الحبّ والمشاعر الإنسانيّة، والولاء للوطن والإخلاص للشّعب، خنقوا فرحة العيد وهذه الرّغبة في القلوب.

 

 

 

 

فكانت أوّل من أمس ردّة فعل الشّعب المحقّة التي انطلقت بمظاهرات كعلامة غضب ورفضٍ للسّياسة اللّامسؤولة والمهترئة بالأنانيّة والفساد والمكاسب غير المشروعة وبالجنوح نحو تعطيل مسيرة الدولة. وقد دعوتم منذ يومين، فخامة الرئيس، إلى التّمسّك بالرّجاء ورفض اليأس، فلا بدّ لهذه الظّلمة من أن تنجلي ونحن نؤمن بذلك، فعند ميلاد ابن الله في ظلمة اللّيل الحالك، أشرق من السّماء نور الخلاص كشمس الظّهيرة، وتمّت نبوءة أشعيا: "الشّعب السّائر في الظّلمة أبصر نورًا عظيمًا، والجالسون في أرض الموت وظلاله أشرق عليهم النّور" (أش1:9).

 

 

 

ومع ذلك نعرف وجعكم واستياءكم أنتم الذين أعلنتم في خطاب القسم أنّ "الأهمّ، في مسؤوليّتكم الأولى، إطمئنان اللّبنانيين إلى بعضهم البعض وإلى دولتهم بأن تكون الحامية لهم، والمؤمِّنة لحقوقهم وحاجاتهم، وأن يكون رئيس الجمهوريّة ضامن الأمان والاطمئنان".

 

 

 

5. إنّ الفرح المعلَن للبشريّة بميلاد الإله إنسان، يعني عودة بهاء الإنسانيّة إلى كلّ إنسان، لكونه مخلوقًا على صورة الله. إنها الأنسنة الجديدة التي لا تتعايش مع الكبرياء والتسلّط والحقد والانانيّة والبغض والظّلم والتّعذيب وفساد القلب وموت الضّمير بخنق صوت الله في أعماق الإنسان. فإذا عاد الإنسان إلى إنسانيّته، دخلت الأنسنة السّياسة فيتوقّف السّياسيّون عن ابتزاز مؤسّسات الدّولة وسلب مالها العام وهدره، وعن قهر المواطنين وحرمانهم حقوقهم، ويجعلون الدستور وحده قاعدة الحكم. ودخلت الإقتصاد فلا يتحوّل سوء استعماله لاستغلال الإنسان ورفع شأن المادّة على حساب كرامته وحقوقه، ولجعل الأغنياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقرًا. وإذا عاد الإنسان إلى إنسانيّته دخلت الأنسنة الوزارات والإدارات العامّة فترتدع عن السّرقة والرّشوة والهدر، وتتحرّر من الفساد والمفسدين وطغيان السّياسيّين والمذهبيّين. ودخلت القضاء فيحكم بالعدل والانصاف متحرّرًا من الإغراءات الماليّة والتّدخّلات السّياسيّة والحزبيّة. ودخلت الأنسنة الإعلام ومختلف وسائل التّواصل الإجتماعيّ، فتكفّ عن بثّ سُمّ الكذب والمأجوريّة وانتهاك الكرامات والافتراء وتوجيه الإساءات. ودخلت المجتمع فينبذ الخلافات والنّزاعات وانحطاط القيم، ويعزّز جوَّ الأُلفة والتّضامن والتّرابط.

 

 

 

 

6. فخامة الرئيس، أيها الإخوة والأخوات، هذه هي معاني "الفرح العظيم" الذي بشّر به الملاك لجميع الشعوب ليلة ميلاد فادي الإنسان ومخلّص العالم، يسوع المسيح. بهذا الفرح الذي نلتزم بنشره في حياتنا اليوميّة: في العائلة والمجتمع والكنيسة والدولة، نعلن بالمسرَّة الكبرى:

 

 

وُلد المسيح ! هللويا !

 

 

موقع بكركي.