ملكوت السماوات «القوت اليومي

 

 

ملكوت السماوات

 

تشير كلمة سماوات إلى السّاكن في العلى، أي الله. فملكوت السماوات يعني ملكوت الله، أو مملكة الله. فما هو ملكوت السماوات هذا الذي نذكره في كلِّ صلاة أبانا ونقول: "ليأتِ ملكوتك؟"

 

لكي نفهم ماهيَّة ملكوت السماوات، علينا أن نتحرَّر أوَّلاً من الصّورة التي تحضر أذهاننا حين نلفظ كلمة ملكوت. فالكلمة تشير إلى مكان، إلى أرضٍ يقوم عليها الملكوت، بينما تشير الكلمة اليونانيّة إلى فعل. عمل القيام بالملك: ملك على، لتملك على.

 

فالملكوت إذًا يعني تدخُّل قويّ من الله الذي يأتي للقاء الإنسان. إنّه يأتي ليملك على البشريّة جمعاء. يأتي متقدِّمًا آلام البشر ومشكلاتهم. فما علينا إلاّ أن نتذكَّره، لكنّنا غالبًا ما ننساه، هو أنَّ الله يأتي إلينا بفيض، ويمارس سلطته الملكيّة بطريقةٍ تفوق إنتظاراتنا أو رجاءنا. ولا يمكن لأيّ لغة بشريّة أن تصف بطريقةٍ وفيّة روعة هذا الفعل الملكيّ وعظمته.

 

ويعتمد ملكوت السماوات على المحبَّة. لأنَّ الله محبَّة. وهذه المحبَّة تفوق إدراكنا. إنّها تقسو وترحم في آنٍ واحد. مبدأها إحترام الإنسان في حريّته، وهدفها تحريره من نير عبوديّة الخطيئة وجميع أشكال الشرّ ومظاهره ونتائجه. وغايتها أن تُدخلنا في حياةٍ لا تعرف الموت.

 

إنَّ وصف ملكوت السماوات عمليَّة صعبة وسهلة في آنٍ واحد. فالملكوت واسع سعة عمل الله المطلق فينا. وفي الآن نفسه، يستطيع الطفل أن يستوعبه. بل ربّما لا يستوعبه إلاّ الطفل.

 

الملكوت يسبقنا. وهو يحمل إحتياجاتنا ورغباتنا في الصحّة والصداقة والصِّدق والمحبّة والحبّ والحياة. إلاّ أنّه لا يفهمها بطريقةٍ سطحيّة كما نفهمها نحن ونعبِّر عنها. ولا يلبّيها بحسب إنتظاراتنا، بل بطريقةٍ لا يستطيع ايّ إنتظارٍ بشريّ أن يحدِّده أو يحتويه أو يدركه.

 

حين نقول: ليأتِ ملكوتُك، نسأل الله ما يفوق تخيّلنا، حتّى وإن كنّا نعلِّق على هذه العبارة جميع رغباتنا في الفرح والهناء والقداسة.

 

إنَّ استدعاء ملكوت الله صلاة حارّة جدًّا، وكلمات يسوع تحمل الوعد: فإنَّ لهم ملكوت السماوات. فاجعلنا يا ربّ نفهم أنَّ ملكوت الله لنا.

 

"ملكوتُك يا ربّ، أسلوبك في الملك علينا، يفوق دومًا كلّ ما يمكننا أن نتمتمه بكلماتٍ ومقولاتٍ مستنبطة من إختبارنا البشريّ الهزيل المحدود.

 

"ملكوتُك هو محبَّتُك الأبويّة الفاعلة. إنّك تُظهِر نفسَك لنا دومًا أبًا، بينما نكتشف أنّنا عبيد، عبيد أمورٍ سلبيّة كثيرة كالخطيئة والشيطان والأهواء والجهل والمرض والموت. ملكوتُك هو أنت، يا مَن يُحبّ أبناءه، ويا مَن يريد أن نكون أبناءه، أحرارًا وذوي كرامة. فأنت يا ربّ تنقذُنا من الألم والخطيئة، ومن المرض ومن العجز عن المحبّة، وتجعلنا نحبّ حقًّا، أي نحبّ كما أحبّ يسوع. ملكوتُك يجعلنا في حياةٍ أقوى من الموت".

 

يا يسوع، أنت الملك. نسألك أن تملك على قلوبنا، وليأتِ ملكوتُك.

 

 

الأب سامي حلاّق اليسوعيّ