"صَلِّ إِلى أَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة" «القوت اليومي

"صَلِّ إِلى أَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة" (مت 6: 6)

 

 

أيّتها النفس الأجمل من بين خلق الله، أنت الّتي تتوقين بشغف لأن تعرفي أين يوجد حبيبك لكي تبحثي عنه وتتّحدي به، ها هم يقولون لك: أنتِ بنفسك مكان سكناه... إن ّكنزك قريب جدًّا لدرجة كونه في داخلك أو بطريقة أخرى يمكننا القول بأنك ما كنت موجودة لولاه.

 

اسمعي العريس نفسه يقول: " لا يأتي مَلَكوتُ اللهِ على وَجهٍ يُراقَب. ولَن يُقال: ها هُوَذا هُنا، أَو ها هُوَذا هُناك. فها إِنَّ مَلكوتَ اللهِ بَينَكم" (لو 17: 20-21) ... عن ماذا تبحثين في الخارج رغم كونك تمتلكين غناك ومتعتك واكتفاءك ومملكتك في أعماقك، أي الحبيب الذي تتطلّعين إليه وتتعقّبينه؟ ...

 

إنّ الصعوبة الوحيدة هي أنّه يبقى مختبئًا رغم وجوده في داخلكِ... تعترضين قائلةً: "بما أنّ مَن أحبّ يسكن في داخلي، فلماذا لا أجده أو لا أشعر به؟" هذا هو السبب: هو يختبئ في أعماقك وأنت لا تختبئين مثله كي تجديه وتشعري به.

 

مَن يريد العثور على غرض مخبّأ عليه أن يدخل إلى عمق المخبأ؛ وعندما يجده، سيكون هو أيضًا مختبئًا. إنّ زوجك الحبيب هو الكَنْز المدفون فِي حَقْل قلبك، هذا الكنز الذي من أجله باع التاجر الحكيم كُلَّ ما يملك (مت 13: 44).

 

كي تجديه، عليكِ إذًا أن تنسي كلّ ما تملكين، وأن تبتعدي عن كلّ المخلوقات وأن تختبئي في العزلة الداخليّة للروح. هناك، بعد إغلاق الباب على نفسك، أي بعد التخلّي طوعًا عن كلّ شيء، "صَلِّ إِلى أَبيك الَّذي في الخُفْيَة".

 

إذا بقيتِ مختبئةً هكذا معه، ستشعرين به في الخفاء، وستحبينه وستتمتعين به في الخفاء؛ ستحصلين على ملذّاتكِ من خلاله في الخفاء، أي بشكلٍ يتجاوز الكلام والمشاعر كلّها.

 

القدّيس يوحنّا الصليب (1542 - 1591)،

راهب كرمليّ وملفان الكنيسة