الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ شَهِدَ لِي «القوت اليومي

 

 

 

 

«الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ شَهِدَ لِي. وأَنْتُم مَا سَمِعْتُم يَومًا صَوتَهُ، ولا رَأَيْتُم مُحَيَّاه»

 

 

كيف استطاعَ موسى أن يقولَ: "هل كانَ مِثلُ هذا الأمرِ العَظيم أَو هل سُمِعَ بمِثلِه؟ وهل سَمعَ شَعبٌ صَوتَ إلهٍ يَتَكلّمُ مِن وَسَطِ النار، كما سَمِعتَ أنتَ، وبَقِيَ على قَيدِ الحيَاة؟" (تث 4: 32-33).

 

لقد أكّدَ إشعيا وآخرون كُثُر أنّهم رأوا الله. إذًا، ماذا تعني هذه الكلمات التي قالَها المخلِّص؟

 

لقد أرادَ أن يعطي اليهود أفكارًا أكثر صحّة ودقّة عن الله، من خلال تعليمهم بأنّ الله لا يملك صوتًا ولا وجهًا؛ إنّما هو يفوق كلّ الوجوه وكلّ اللغات الممكنة.

 

في الواقع، إنّ هذه الكلمات: "أَنْتُم مَا سَمِعْتُم يَومًا صَوتَهُ" لا تعني أنّ الله يملك صوتًا، ولو غير مفهوم بالنسبة إلى البشر؛ كما أنّ هذه الكلمات الأخرى " ولا رَأَيْتُم مُحَيَّاه" لا تعني أنّ الله يملك شكلاً مميّزًا، ولو غير مرئي للبشر؛ إنّما أرادَ بذلك أن يثبتَ أنّ الله لا يملك صوتًا ولا وجهًا وإنّ صوت الله لا يُسمعُ من خلال أذنيّ الجسد إنّما من خلال ذكاء القلب الّذي نناله بواسطة الرُّوح القدس.

 

لذلك فإنّ اليهود لم يسمعوا ذلك الصّوت الرّوحيّ لأنّهم كانوا يرفضون أن يُحِبّوه وأن يطيعوا وصاياه؛ كما إنّهم لم يتمكّنوا من رؤية محيّاه لأنّ هذا الوجه الأقدس لا يُرى بعيون الجسد بل بعينيّ الإيمان والحب.

 

القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 - 407)​