أعمالُ الرَحمَة «القوت اليومي

 

 

 

 

 

أعمالُ الرَحمَة

 

     

 

لمَّا كان على كُلِّ عَمَلٍ رَسوليٍّ أنْ يَجِدَ أصلـَهُ وَقُوَّتَهُ في المَحَبِّة، فإنَّ لِبَعضِ الأعمالِ ما يُؤهِّلها بِطَبيعَتِها أنْ تَصيرَ التعبيرَ الحَيَّ لِتِلك المَحبَّة. والسَّيِّدُ المَسيحُ أرادَها أنْ تَكون علامَة رِسالتِهِ المَسيحانيَّة:

      

إنَّ الوصيَّة العُظمى في الشريعَةِ هِيَ: أنْ يُحِبَّ الإنسانُ اللهَ بِكُلِّ قلبِهِ وَقريبَهُ كَنَفسِه. وَوَصيَّة ُ المَحَبَّةِ هذِهِ نَحوَ القريب، جَعَلها المسيحُ وَصيَّتَهُ الخاصَّة، وأغناها   بِمعنىً جَديد، إذ أرادَ أنْ يَكون هُوَ وإخوَتُهُ مَعاً مَوضوع َ المَحبَّة، فقال: كُلّما فعلتُمْ لأحَدِ إخوَتي هَؤلاءِ الصِغار، فلي فعلتُموه. لأنّهُ باتِّخاذِهِ الطَبيعَة البَشَريَّة، رَبَطَ بِشَخصِهِ، بِتماسُكٍ فائِقِ الطَبيعَة، الجِنسَ البَشَريَّ بأسرِهِ، وَجَعَلَ مِنهُ عائِلة، وَجَعَلَ مِن المَحبَّةِ علامَة تلاميذِهِ إذ ْ قال: بهذا يَعرِفُ الجَميعُ أنَّكُمْ تلاميذي إذا كُنتُم تُحِبُّون بَعضَكُم بَعضا.

    

أمَّا الكنيسَة، فكانتْ في بَدءِ حَياتِها، تُضيفُ إلى العَشاءِ الإفخارَستي "وليمَة المَحبَّة"، وتُظهِرُ نَفسَها مُوَحَّدَةً بأعضائِها حَولَ المَسيحِ بِرباطِ المَحبَّة. وبِهذِهِ العَلامَةِ تُعرَفُ الكَنيسَة ُ في كُلِّ حين.

 

وَهيَ، إذ ْ تَفرَحُ بِمُبادَراتِ الآخَرين، تَعتَبِرُ أنَّ أعمالَ المَحبَّةِ هِيَ واجِبٌ يتَحَتَّمُ عليها القيامُ بِهِ، وَحَقٌّ لا تَستَطيعُ التَخلّيَ عنهُ. ولهذا فإنَّ الكَنيسَة تُقدِّرُ الرَحمَة تُجاهَ الفُقراءِ والمَرضى حَقَّ قدرِها، وكذلكَ ما يُدعى بِالأعمالِ الخَيريَّةِ وأعمالِ التعاوُنِ المُتبادَل، لِتَلطيفِ حاجاتِ البَشرِ على أنواعِها.

      

وهذِهِ النَشاطاتُ والأعمال، أصبَحتْ أشَدَّ إلحاحاً وأكثرَ شُمولا ً في وَقتِنا الحاضِر، بعدَ أنْ زادَتْ سُرعَة ُ وَسائِلِ الإعلام، وَقُهِرَتْ نَوعاً ما المَسافاتُ بين الناس، وتَوَصَّلَ سُكّانُ العالمِ كُلّهِ إلى أنْ يَكونوا كأعضاءٍ في عائِلةٍ واحِدَة.

 

فأعمالُ الخَيرِ اليوم، تَستَطيعُ بَلْ يَجِبُ عليها أنْ تَشْمَلَ النّاسَ بأسرِهِم وَجَميعَ حاجاتِهِم. وأينما وُجِدَ أناسٌ يُعدَمون الأكلَ والشُرْبَ والكِساءَ والمَسكِن، أوْ يتألّمون مِنْ نَقصِ الدَواءِ والعَمَلِ والتَعليم، وَوَسائِلِ الحَياةِ الإنسانيَّةِ الحَقّة، أوْ يُعَذ َّبون مِنْ جَرَّاءِ المِحَنِ والأمراض، أوْ يَتَحَمَّلون النَفيَ والسِجْن، فهُناكَ يَجِبُ أنْ تَبحَثَ عَنهُمُ المحبَّة ُ المسيحيَّة، وأنْ تَجِدَهُم وأنْ تُعَزِّيَهُم بِعنايَةٍ نَشيطة، وأنْ تُفرِّجَ عَنهُم بالمُساعداتِ التي تُقدِّمُها لهُم. وَيَقعُ هذا الواجِب، بالدَرَجَةِ الأولى، على عاتِقِ الأفرادِ والشعوبِ المَيسورة.

 

 

 

(قرار مجمعي في رسالة العلمانيّين، 8)

 

 

قراءةٌ مِنْ وثائِقِ المَجمَعِ الفاتيكاني الثاني المَسكوني