جمعة أسبوع بشارة زكريّا «الإنجيل

 

 

إنجيل اليوم (يو8/ 51-55)

 

51 الحقّ الحقّ أقول لكم: "إن حفظ أحدٌ كلمتي فلن يشاهد الموت إلى الأبد".

 

52 فقال له اليهود: "الآن عرفنا أنّ بك شيطانًا. إبراهيم مات، والأنبياء ماتوا، وأنت تقول: إن حفظ أحدٌ كلمتي فلن يذوق الموت إلى الأبد.

 

53 ألعلّك أنت أعظم من أبينا إبراهيم الّذي مات؟ والأنبياء أيضًا ماتوا.

 

من تجعل نفسك؟".

 

54 أجاب يسوع: "إن أمجّد أنا نفسي فمجدي ليس بشيء. أبي هو الّذي يمجّدني، وهو من تقولون أنتم إنّه إلهكم.

 

55 وأنتم ما عرفتموه، أمّا أنا فأعرفه. وإن قلت إنّي لا أعرفه كنت مثلكم كاذبًا. لكنّي أعرفه، وأحفظ كلمته.

 

 

أوّلاً قراءتي للنصّ

 

 الآية (51)

 

بعد أن قاد يسوع "اليهود الذين آمنوا به"، خطوة خطوة، إلى حيث هم في الحقيقة، في مجال الإيمان وعلاقتهم بالله؛ وبعد أن أراهم المدى الشاسع الذي يفصل بينه (وهو من الله) وبينهم (وهم ليسوا من الله)، عاد فدعاهم إلى سماع كلمته وحفظها والثبات فيها، لأنّ من يعمل ذلك "لن يشاهد الموت إلى الأبد"، بل تكون له حياة أبديّة؛ من الواضح أنّ في قول يسوع هذا، إعادة لما قاله لهم سابقـًا، ولكن بعبارات مختلفة، نتذكّرها هنا ومن جديد لمزيد من التوضيح، قال: من يثبت في كلمتي يعرف الحقّ، والحقّ يحرّره، فيصبح ابنًا لله، ويقيم بالتالي في البيت إلى الأبد.

 

 

 الآيتان (52-53)

 

جاءت ردّة فعل اليهود على كلام يسوع، هذه المرّة، لا دفاعيّة كما في المرّة السّابقة، بل هجوميّة، فقالوا له: الآن عرفنا، بل تأكّدنا، أنّ بك شيطانًا؛ لقد أدركوا أنّ في كلامه ما ليس لديهم، ما ليس في واقعهم وقناعاتهم، ولم يحاولوا أن يتخطّوا ما لديهم وما تعوّدوه، وأن يرتقوا إلى مستوى آخر، إلى مستوى الخلاص الذي كان الربّ يدعوهم إليه؛ كلّمهم هو، كلام الله؛ ولكنّهم رفضوا كلامه الإلهيّ والخلاصيّ، وما أرادوا أن يروا فيه إلاّ ما لا يتوافق مع ما هو بشريّ محض لديهم، وما ينسب إليه عادة، إلى شكل من الجنون، إلى الشيطان؛ وبالتالي من كلامهم يثبت بوضوح هذا التأويل، إذ قالوا: "إبراهيم مات، وأنبياء ماتوا، أأنت أعظم من أبينا إبراهيم؟ من تجعل نفسك؟"

 

نتبيّن من كلامهم هذا أنّهم فهموا، فهموا أنّه يعتبر نفسه أعظم من إبراهيم، ولكنّهم ما أرادوا قبول ما فهموا، بل قاسوه بما هو بشريّ، وأصدروا الحكم بأنّه جنون وهذيان، أنّه من الشيطان السّاكن في قائله.

 

 

الآيتان (54-55)

 

لذلك، تابع يسوع كلامه من المستوى نفسه الذي هو فيه، ولا يمكنه إلاّ أن يكون فيه، مستوى الربط الوثيق والموحّد، بينه وبين الله الآب أبيه، والمقتضى لمهمّة الخلاص، التي يقوم بتحقيقها في العالم، بطريقة كاملة ونهائيّة؛ إنّه بقوله أعلاه، لا يمجّد نفسه لأنّ مجده، في وضعه الحاضر ليس بشيء؛ بل إنّه يمجّد الله الآب؛ يظهره في إرادته الخلاصيّة، التي تتحقّق به؛ وسوف يلقى المجد من الله الآب لقاء ذلك. في كلام يسوع هذا، دعوة لليهود إلى تصحيح إيمانهم بالله، هذا الإيمان الذي يقوم، بالضرورة، على معرفة الله الحقّة، وهذه تجد مثالها في معرفته، هو لله، والذي يتحقّق بتمجيد الله في هذه الحياة، أي بإظهار إرادته في أقوالنا وأعمالنا.

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

في ذروة الجدال (51-59)، أعلن يسوع أنّه ينبوع الحياة وسيّد الموت (51)؛ هذا السّلطان ينبع من كيانه العميق، ومن علاقته بالآب (54-55)؛ وإذ أكّد تساميه (58)، اعتبروا كلامه تجديفـًا، فأرادوا أن يرجموه.

 

الآية (52)

 

هنا مقابلة بين يسوع من جهّة، وبين إبراهيم والأنبياء من جهّة ثانية؛ هل أنت أعظم منهم؟ الجواب في منطقهم، كلاّ؛ لكنّ يسوع أعظم من موسى (يو6: 30-35)، وأعظم من إبراهيم..؛ إنّه يقف على مستوى آخر: هو أكثر من إنسان؛ إنّه ابن الله ومساوٍ لله الآب.

 

الأب توما مهنّا