السبت الثالث من الصوم الكبير «الإنجيل

 

 

إنجيل اليوم  (متّى 12: 1-14)

 

 

1 في ذلك الوَقْتَ اجتَازَ يسوعُ في السَّبْتِ مِن بَينِ الزُّروع. وَجَاعَ تَلاميذُه فَأَخَذُوا يَقلَعُونَ سَّنَابِلَ ويَأكُلُون.

 

2 ورآهُمُ الفِرِّيسيُّونَ فقالوا لِيَسوع: "هُوَّذَا تَلاميذُكَ يَفعَلونَ ما لا يَحِلُّ فِعلُهُ يَومَ السَّبت".

 

3 فقالَ لَهُم: "أَما قَرأتُم ما فَعَلَهُ داودُ حينَ جاعَ هوَ والَّذينَ معَه؟

 

4 كيف دَخَلَ بَيتَ الله، وأَكَلُوا خُبزَ التَّقدِمَةِ الّذي ولا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ، ولا لِلَّذينَ مَعَهُ، بَل لِلكَهَنةِ وَحدَهُم؟

 

5 أَوَما قَرأتُم في التَّورَاة أَنَّ الكَهَنَةَ، أيَّام السَّبت، يَنتهِكُون في الهَيكَلِ حُرمَةَ السَّبْت، ولا ذَنْبَ عَلَيهِم؟

 

6 وأَقولُ لَكُم: هَهُنَا أَعظَمُ مِنَ الهَيكَل!

 

7 وَلَو كُنتُم تَعرِفُونَ مَا مَعَنى: أُريدُ رَحمَةً لا ذَبِيحَة، لَما حَكَمتُم على مَن لا ذَنْبَ علَيهِم!

 

8 فَرَبُّ السَّبْت هُوَ ابنُ الإِنسان!".

 

9 وانتقَلَ يَسوعُ مِن هُنَاك، وجَاءَ إلى مَجمَعِهِم.

 

10 وإِذا بِرَجُلٍ يَدُه يَابِسَة، فَسَأَلُوهُ قَائِلِين: "هَل يَحِلُّ الشِّفاءُ يَومَ السَّبْت؟". ومُرادُهُم أَن يَشكُوه.

 

11 فقالَ لَهُم:"أيّ رَجُلٍ مِنكُم يَكُونُ لَهُ خَروفٌ واحِد، فَإنْ سَقَطَ يومَ السَّبْت في حُفرَة ، ألا يُمسِكُهُ ويُقِيمُهُ؟

 

12 وكَمِ الإِنسَانُ أَفضَلُ مِنَ خَروف؟ فَعَمَلُ الخَيرِ إذًا يَحِلُّ يَومَ السَّبْت".

 

13 حِينَئِذٍ قالَ لِلرَّجُل: "مدَّ يَدَكَ". ومَدَّها فَعَادَت صَحيحةً كاليَدِ الأُخرى.

 

14 وخَرَجَ الفِرِّيسيّونَ فَتَشاوَرُوا عليه لِيُهلِكوه.

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

 أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم عنوانان، الأوّل: "قلع السنابل يوم السبت" (1-8)، وله نصّ موازٍ في مرقس (2: 23-28)، وآخر في لوقا (6: 1-5)؛ والثاني: "الشفاء يوم السبت" (9-14)، وله نصّ موازٍ في مرقس (3: 1-6)، وآخر في لوقا (6: 6-11)؛ جاء حول هذا النصّ، في "كتاب القراءات" التالي: يركّز هذا النصّ على جدالات في شريعة السبت، بين يسوع والفرّيسيّين، فيها يظهر يسوع سلطانه على الشريعة عامّة، وعلى شريعة السبت، كما يفهمها الفرّيسيّون، خاصّة؛ وجاء في "الترجمة اللّيتورجيّة"، تعليقًا على الآية (8) ما نصّه: سلطان يسوع فوق السبت هو سلطان الله نفسه؛ ولقد سبّب ليسوع اضطهادًا عنيفًا؛ وحقدًا أثيمًا، من قِبَل الفرّيسيّين والرؤساء، لأنّهم ما فهموا، ولا أرادوا أن يفهموا، أنّ العبادة لِلّه ليست عبوديّة حرفيّة لشريعة السبت المقدّسة.

 

 

 الآيات (1-8)

 

اعترض الفرّيسيّون لدى يسوع على مخالفة تلاميذه لحرمة السبت، عندما أخذوا، لَمّا جاعوا، يقلعون سنابل ويأكلون؛ لكنّ يسوع لم يرَ في ذلك مخالفة لحرمة السبت، لاعتبارات عدّة، بعضها مرتكز على الشريعة بالذات، كتصرّف داود والذين معه، عندما جاعوا ودخلوا الهيكل، وأكلوا خبز التقدمة، الذي لا يحلّ اكله إلّا للكهنة، وكتصرّف هؤلاء الكهنة، الذين ينتهكون، في الهيكل بالذات، حرمة السبت؛ وبعضها الآخر مرتكز على واقع الحال، أي حدوث ذلك حيث كان يسوع وتلاميذه (فمكان تواجدهم أعظم من الهيكل!)، وبرضاه بالذات، هو ربّ السبت! وأخيرًا، على القول العامّ المبدئيّ: السبت جُعِلَ للإنسان، لا الإنسان للسبت (مر 2: 27)، وعلى المسلَّمَة الكتابيّة التي وُضِعَت على لسان الله القائل: أريد رحمة لا ذبيحة (هو 6: 6).

 

 

 

 الآيات (9-14)

 

تشاور الفرّيسيّين على يسوع ليهلكوه! لأنّه شفى في الهيكل يد رجل يابسة، وبعد أن أثبت لهم أنّه يحلّ الشفاء يوم السبت، على أساس تصرّفهم بالذات (إذ كلّ منهم لا يتردّد في رفع خروف له من حفرة، وقع فيها يوم السبت!)، وضرورة توطيد هذا التصرّف بالنسبة إلى الإنسان (لأنّه أفضل بما لا يقاس من خروف)، واحترام القول، أخيرًا، بأنّه يحلّ عمل الخير (تخليص نفس)، لا عمل الشرّ (قتل نفس) يوم السبت (مر 3: 4).

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 في هذَين الجدالَين حول السبت، يدلّ يسوع على سلطته على الشريعة، ولا سيّما شريعة السبت؛ قدّم يسوع براهينه (1-8)، فدلّ على أنّ السبت هو للإنسان، لا الإنسان للسبت؛ هذا يعني أنّ المؤسّسات الدينيّة وغيرها، يجب أن تكون في خدمة الإنسان؛ في الجدال الأوّل، منعت أعمال الحصاد والدراسة؛ وفي الجدال الثاني، منعت أعمال الطبابة والجراحة!

 

 

 الآيات (2-5)

 

 "هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحلّ فعله يوم السبت"! هاجم الفرّيسيّون التلاميذ، لا لأنّهم "سرقوا"، بل لأنّهم عملوا ما لا يجوز عمله يوم السبت؛ مع أنّ الممنوع كان حصد القمح ودرسه، لا قطف بعض السنابل (خر 34: 21).

 

 دافع يسوع عن تلاميذه، عائدًا إلى الكتاب المقدّس (1 صم 21: 1-6)، مع برهان أخذه من حياة داود؛ ثمّ رجع إلى ما يفعله الكهنة يوم السبت (لا 24: 8؛ عد 28: 9)؛ إذ كان الإنسان "قويًّا" يحقّ له أن يتجاوز الشريعة؟ أمّا الضعفاء، فيوضع النير عليهم، ولا مَن يخلّصهم؟

 

 الآية (6)

 

ذكر يسوع الهيكل، وقال دالًّا على نفسه: هنا أعظم من الهيكل؛ إذ كان الهيكل رمزًا إلى حضور الله على الأرض، فيسوع هو هذا الحضور بالذات؛ وإذ كان الهيكل يلغي شريعة السبت، فيحقّ لربّ الهيكل أن يسمح لتلاميذه بأن يتجاوزوا شريعة السبت.

 

 

 الآيات (10-14)

 

 استفاد الفرّيسيّون من حضور رجل يده يابسة في المَجمَع، ليسألوا يسوع ويتّهموه: "هل يحلّ الشفاء يوم السبت؟"؛ فأجابهم يسوع بسؤال وأحرجهم: "أيّ رجل منكم يكون له خروف واحد، فإنْ سقط يوم السبت في حفرة، ألا يمسكه ويقيمه؟" فكَم حريّ بنا أن نرفع الإنسان، وهو لأفضل من خروف، ونعيد إليه كرامته، يوم السبت!

 

 واستخلص يسوع المبدأ العامّ التالي: يجوز فعل الخير يوم السبت؛ هذا المبدأ يرتكز على الحكمة الشعبيّة، التي تغلّبت على التعليم الرسميّ، لأنّ خلاص الإنسان يتفوّق على كلّ الشرائع، مهما كان الاحترام لها وللآباء كبيرًا!

 

 فخرج الفرّيسيّون للتشاور كيف يهلكونه!

 

الأب توما مهنّا