الجمعة العظيمة رتبة سجدة الصليب «الإنجيل

 

 

 

متّى الرّسول (27: 33 - 54)

 

 

33 وَلَمَّا وَصَلُوا إلى المَكَانِ الَّذي يُدعَى جُلجُثَة - أي مَوضِعَ الجُمجُمَة -،

 

34 أعطَوهُ خَمرًا مَمزُوجًا مُرًّا لِيَشرَب، فَذَاقَ وَلَم يُرِدْ أن يَشرَب.

 

35 وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقتَسَمُوا بِالقُرعَةِ ثِيَابَهُ.

 

36 ثُمَّ جَلَسُوا هُناكَ يَحرُسُونَهُ.

 

37 وَعَلَّقُوا فَوقَ رَأسِهِ كِتَابَةً فِيهَا سَبَبُ الحُكمِ عَلَيه: "هذا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ اليَهُود!".

 

38 حِينَئذٍ صَلَبُوا مَعَهُ لِصَّين، أحَدَهُمَا عَن يَمِينهِ والآخَر عَن شِمالِهِ.

 

39 وَكَانَ المَارَّةُ يُجَدِّفونَ عَلَيه، وهُم يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُم،

 

40 قَائِلين: "يَا نَاقِضَ مَقدِسِ الهَيكَلِ وبَانِيَهُ في ثَلاثَةِ أيَّام، خَلِّصْ نَفسَكَ! إنْ كُنتَ ابنَ اللهِ فانزِلْ عَنِ الصَّلِيب!".

 

41 كَذلِكَ أيضًا كَانَ الأحبَارُ مَعَ الكَتَبَةِ والشُّيُوخِ يَستَهزِئُونَ بِهِ ويَقولُونَ:

 

42 "خَلَّصَ آخَرين، ولا يَقدِرُ أن يُخَلِّصَ نَفسَهُ! هُوَ مَلِكُ إسرَائِيل، فَليَترِلِ الآنَ عَنِ الصَّلِيبِ فَنُؤمِنَ بِهِ!

 

43 قَدِ اتَّكَلَ على الله، فَلْيُنَجِّهِ الآن، إنْ كَانَ رَاضِيًا عَنهُ، فَقَد قَال: أنَا هُوَ ابنُ الله!".

 

44 وبِمِثلِ ذلِكَ كَانَ اللِّصَّانِ اللَّذانِ صُلِبَا مَعَهُ يُعَيِّرَانِهِ.

 

45 وَمِنَ الظُّهرِ حَتَّى السّاعَةِ الثّالِثَة، خَيَّمَ ظَلامٌ على الأرضِ كُلِّهَا.

 

46 وَنَحوَ السّاعَةِ الثّالِثَة، صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوتٍ عَظِيمِ قَائِلاً: "إيلِي، إيلِي، لشمَا شَبَقْتَنِي؟ أي: إلَهِي، إلَهِي، لِمَاذا تَرَكْتَنِي؟".

 

47 وَسَمِعَهُ بَعضُ الوَاقِفِينَ هُنَاكَ فَقَالُوا: "إنَّهُ يُنَادِي إيلِيَّا!".

 

48 وَفي الحَالِ أسرَعَ وَاحِدٌ مِنهُم، وَأخَذَ إسفَنجَة، فَغَمَسَهَا في الخَلّ، وَوَضَعَهَا على قَصَبَة، وَقَدَّمَ إليهِ لِيَشرَب.

 

49 فَقَالَ البَاقُون: "دَعْنَا نَرَى هَل يَأتِي إيلِيَّا وَيُخَلِّصُهُ!".

 

50 فَصَرَخَ يَسُوعُ مَرَّةً ثَانِيَةً بِصَوتٍ عَظِيم، وَأسلَمَ الرُّوح!

 

51 وإذا حِجابُ مَقدِسِ الهَيكَلِ قَدِ انشَقَّ إلى اثنَين، مِن أعلَى إلى أسفَل، والأرضُ تَزَلزَلَت، والصُّخُورُ تَصَدَّعَت،

 

52 والقُبُورُ تَفَتَّحَت، وَقَامَ كَثِيرٌ مِن أجسَادِ القِدِّيسِينَ الرَّاقِدِين،

 

53 وَخَرَجُوا مِنَ القُبُورِ بَعدَ قِيَامَةِ يَسُوع، وَدَخَلُوا المَدِينَةَ المُقَدَّسَة، وتَرَاءَوا لِكَثِيرِين.

 

54 أمَّا قَائِدُ المِئَةِ وَالحَرَسُ الَّذِينَ مَعَهُ، فَإِنَّهُم لَمَّا رَأوا الزَّلزَال وَمَا حَدَث، استَولَى عَلِيهِم خَوفٌ شَدِيد، وَقَالُوا: "حَقًّـا، كَانَ هَذا ابنَ الله!".

 

 

أوّلاً قراءتي للنصّ

 

 

 أُعطيَ لهذا النصّ عنوانان، الأوّل "صلب يسوع" (32 - 44)، وله نصّ موازٍ أوّل في مرقس (15: 21 - 32)، وثانٍ في لوقا (32: 26 - 43)، وثالث في يوحنّا (19: 16 - 24)؛ والثاني "موت يسوع" (45 - 56)، وله نصّ موازٍ أوّل في مرقس (15: 33 - 39)، وثانٍ في لوقا (23: 44 - 48)، وثالث في يوحنّا (19: 28 - 30).

 

 

 يشدّد متّى الرّسول في هذا النصّ على الطابع الكنسيّ لآلام الربّ: لقد أحدثت آلام يسوع هوّة عميقة بين الشعب القديم الذي رفض يسوع مسيحًا وربًّـا، وبين الشعب الجديد، أي الكنيسة، التي آمنت به ربًّـا مصلوبًا حيًّـا.

 

 

 شرح عبارات وكلمات

 

 جلجثة (33)  مكان الجلجثة هو مكان صخريّ يشبه الجمجمة؛ من صخوره بُنِيَت بيوتٌ عديدة في أورشليم.

 

 فلينرلْ الآن عن الصّليب فنؤمن به (42) لو كانت لديهم نيّة حسنة، لآمنوا بآيات يسوع، وخصوصًا آية قيامته، التي حاولوا، بالعكس، أن يخفوها ويكذّبوها (28: 12 - 14)، وبآيات تلاميذه الأمّيّين العاديّين (رسل 4: 13)؛ لكنّهم فضّلوا مجد الناس على مجد الله (يو 12: 43؛ راجع متّى 12: 38).

 

 إيلي، إيلي (46)

هذه بداية المزمور 22، صلاة البارّ، صلاّها يسوع طيلة حياته، ويصلّيها الآن على الصّليب، والله يستجيب.

 

 

حقًّـا، كان هذا ابن الله (54) يتفرّد متّى بذكر إيمان القائد مع السريّة كلّها؛ فهم نواة الكنيسة المؤمنة من الأمم الوثنيّة؛ أمّا مرقس، فيكتفي يإيمان قائد المئة وحده (15: 39).

 

 

 الآيات (51 - 53) انشقّ الحجاب الفاصل بين قدس الهيكل وقدس الأقداس، ما يدلّ على أنّ الدخول إلى قدس الأقداس صار، بدم يسوع، لجميع المؤمنين (عب 10: 19 - 20). إنّ الظلام على الأرض والزلزلة وتفتُّح القبور وقيامته قدّيسين...: تعابير نَبَويّة نهيويّة، تدلّ على مجيء يوم الربّ العظيم (صف 1: 14 - 18؛ أش 26: 19؛ دا 12: 2)؛ تَحقّقَت هذه التعابير في موت يسوع وقيامته.

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائية"

 

 بدا يسوع، في نظر العالم، وكأنّه فشل فشلاً ذريعًا: تركه تلاميذه، جعل بين لصّين، هزئ به خصومه؛ وحين مات، توقّفت كلماته وأعماله؛ ولكنّ هذا لم يكن إلاّ ظاهر الأمور! فصلاة يسوع، التي تعبّر عن عمق ضيقه (46)، هي نداء إلى الثقة بالمستقبل، لا صرخةَ يأس؛ وإعلان الجنود الرّومان: "كان هذا الرجل ابن الله" هو الخطوة الأولى في تقبّل الأمم ليسوع القائم من الموت.

 

 

 

مرقس البشير (15: 22 - 39)

 

 

 

22 وَجَاؤُوا بِيَسُوعَ إلى مَكَانِ الجُلجُثَة - أي مَوضِعِ الجُمجُمَة -

 

23 وَاعطَوهُ خَمرًا مَمزُجًا مُرًّا، فَلَم يَأخُذْهُ.

 

24 وَصَلَبُوه، واقتَسَمُوا ثِيَابَهُ، بَعدَ أنِ اقتَرَعُوا على مَا يَأخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُم.

 

25 وَكَانَتِ السَّاعَةُ التَّاسِعَةُ صَبَاحًا حِينَ صَلَبُوه.

 

26 وَكَانَ سَبَبُ الحُكم عَلَيهِ مَكتُوبًا: "مَلِكُ اليَهُود".

 

27 وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّين، أحَدَهُمَا عَن يَمِينِهِ والآخَر عَن شِمَالِهِ.

28...

 

29 وَكَانَ المَارَّةُ يُجدِّفونَ عَلَيه، وهُم يَهُزُّونَ رؤُوسَهُم، قَائِلين: "إيهِ! يَا نَاقِضَ مَقدِسِ الهَيكَلِ، وبَانِيَهُ في ثَلاثَةِ أيَّام،

 

30 خَلِّص نَفسَكَ! وَانزِلْ عَنِ الصَّلِيب!".

 

31 كَذلِكَ كَانَ الأحبَارُ مَعَ الكَتَبَةِ يَستَهزِئُونَ فِيمَا بَينَهُم ويَقولُونَ: "خَلَّص آخَرِين، ولا يَقدِرُ أن يُخَلِّصَ نَفسَهُ!

 

32 هُوَ المَسيحُ مَلِكُ إسرَائِيل، فَليَترِلِ الآنَ عَنِ الصَّلِيبِ لِنَرَى وَنُؤمِنَ بِهِ! وَكَانَ الِّلصَّانِ اللَّذانِ صُلِبَا مَعَهُ يُعَيِّرَانِهِ.

 

33 وَعِندَ الظُّهرِ خَيَّمَ ظَلامٌ على الأرضِ كُلِّهَا حَتَّى السَّاعَةِ الثَّالِثَة.

 

34 وَفي السَّاعَةِ الثَّالثَة، صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوتٍ عَظِيمِ قَائِلاً: "ألوهِي، ألُوهي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟ أي: إلَهِي، إلَهِي، لِمَاذا تَرَكْتَنِي؟".

 

35 وَسَمِعَهُ بَعضُ الحَاضِرِينَ فَقَالُوا: "هَا إنَّهُ يُنَادِي إيلِيَّا!".

 

36 وَأسرَعَ وَاحِدٌ فَغَمَسَ إسفَنجَةً في الخَلّ، وَوَضَعَهَا على قَصَبَة، وَقَدَّمَ إليهِ لِيَشرَب قَائِلاً: "دَعُونَا نَرَى هَل يَأتِي إيلِيَّا وَيُترِلُهُ!".

 

37 فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوتٍ عَظِيم، وَأسلَمَ الرُّوح!

 

38 فَانشَقَّ حِجَابُ مَقدِسِ الهَيكَلِ إلى اثنَين، مِن أعلَى إلى أسفَل.

 

39 وَرَأى قَائِدُ المِئَةِ، الوَاقِفُ قُبَالَةَ يَسُوع، كَيفَ أسلَمَ الرُّوح، فَقَالَ: "حَقًّـا كَانَ هَذا الرَّجُلُ ابنَ الله!".

 

 

 

 

أوّلاً قراءتي للنصّ

 

 أُعطيَ لهذا النصّ عنوانان، الأوّل "صلب يسوع" (21 - 32)، وله نصّ موازٍ أوّل في متّى (27: 33 - 44)، وثانٍ في لوقا (23: 36 - 43)، وثالث في يوحنّا (19: 16 - 24)؛ والثاني "موت يسوع" (33 - 41)، وله نصّ موازٍ أوّل في متّى (27: 45 - 54)، وثانٍ في لوقا (23: 44 - 49)، وثالث في يوحنّا (19: 28 - 30).

 

 

 يشدّد مرقس، في هذا النصّ، على الطابع الغريب المذهل لآلام الربّ! ولكنّ تصميم الله الخلاصيّ قد تمّ في شكّ الصّليب! فهو حدث أليم قاسٍ، لا يدرك، يدعونا مرقس إلى الإيمان بالسرّ العظيم.

 

 

 شرح عبارات وكلمات

 

 فلم يأخذه (23): رفض يسوع أن يأخذ ويشرب ما كان يعطى كالبنج للمصلوب، تخفيفًا لآلامه (خمر ممزوج بالمرّ)؛ بينما في متّى، "فذاق ولم يرد أن يشرب" (27: 34).

 

 يتفرّد مرقس بذكر الساعة التي فيها صُلِبَ يسوع: الثالثة بعد شروق الشمس، أي التاسعة صباحًا (25)؛ ويتوقّف مع متّى في تحديد الساعة التي فيها خيّم ظلام على الأرض كلّها، من ساعة الظهيرة، حتّى الساعة الثالثة بعد الظهيرة، وفي هذه، التي فيها صرخ يسوع بصوت عظيم: "أَلُوهي، أَلُوهي، لَمَا شَبَقْتَنِي؟"؛ هذه الساعات هي ساعات الصّلاة الكنسيّة الثلاث.

 

 الآية (28) نصّ هذه الآية هو التالي: "فتمّ ما جاء في الكتاب: وأحصي مع الأثمة" (أش 53: 12)؛ هذه الآية غير واردة في أوثق المخطوطات القديمة عند مرقس؛ فهي إذن منقولة عن لوقا (22: 37).

 

 

 

لوقا البشير (23: 33 - 47)

 

 

33 وَلَمَّا وَصَلُوا إلى المَكَانِ المُسَمّى بِالجُمجُمَة، صَلَبُوهُ هُنَاكَ هُوَ وَالمُجرِمَين، الوَاحِدَ عَنِ اليَمِينِ وَالآخَرَ عَنِ اليَسَار.

 

34 وَكَانَ يَسُوعُ يَقول: "أبَتِ، اغفِرْ لَهُم، لأنَّهُم لا يَدرُونَ مَا يَفعَلُون!". واقتَسَمُوا بِالقُرعَةِ ثِيَابَهُ.

 

35 وَكَانَ الشَّعبُ وَاقِفًا يَنظُر، أمّا الرُّؤَسَاءُ فَكَانُوا يَتَهَكَّمُونَ قَائِلين: "خَلَّصَ آخَرِين، فَليُخَلِّصْ نَفسَهُ، إنْ كَانَ هُوَ مَسِيحَ اللهِ المُختَار!".

 

36 وَكَانَ الجُنُودُ أيضًا يَسخَرُون، وَهُم يَدنُونَ مِنهُ وَيُقَدِّمُونَ لَهُ خَلاًّ"،

 

37 وَيَقولُون: "إنْ كُنتَ أنتَ مَلِكَ اليَهُودِ فَخَلِّصْ نَفسَكَ!".

 

38 وَكَانَت أيضًا فَوقَهُ لَوحَةٌ كُتِبَ فِيهَا: "هَذا هُوَ مَلِكُ اليَهُود".

 

39 وَكَانَ أحَدُ المُجرِمَينِ المُعَلَّقَينِ على الصّلِيبِ يُجَدِّفُ على يَسُوعَ قَائِلاً: "ألَستَ أنتَ المَسِيح؟ خَلِّصْ نَفسَكَ، وَخَلِّصْنَا!".

 

40 فَأجابَ الآخَرُ وانتَهَرَهُ قَائِلاً: "أمَا تَخَافُ اللهَ وَأنتَ تَحتَ هَذا الحُكمِ نَفسِهِ؟

 

41 فَنَحنُ بعَدلٍ حُكِمَ عَلَينَا، لأنَّنَا نَلقَى مَا تَستَوجِبُهُ أعمَالُنَا، أمَّا هَذا الرَّجُلُ فَلَم يَفعَلْ شَيئًا سَيِّئًا!".

 

42 ثمَّ أخَذَ يَقول: "يَا يَسُوع، اذكُرْنِي عِندَمَا تَأتِي في مَلَكُوتِكَ!".

 

43 فَقَالَ لَهُ يَسُوع: "الحَقَّ أقولُ لَكَ: اليَومَ تَكُونُ مَعِي في الفِردَوس!".

 

44 وَكَانَتِ السَّاعَةُ نَحوَ الظُّهْر، فَخَيَّمَ الظَّلامُ على الأرضِ كُلِّهَا حَتَّى الثّالِثَةِ بَعدَ الظُّهر.

 

45 واحتَجَبَتِ الشَّمس، وانشَقَّ حِجَابُ مَقدِسِ الهَيكَلِ مِن وَسَطِهِ.

 

46 وَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوتٍ عَظِيمٍ وَقَال: "أبَتِ في يَدَيكَ أستَودِعُ رُوحِي!". قَالَ هَذا وَأسلَمَ الرُّوح.

 

47 وَرَأى قَائِدُ المِئَةِ مَا حَدَث، فَأخَذَ يُمَجِّدُ اللهَ قَائِلاً: "حَقًّـا كَانَ هَذَا الرَّجُلُ بَارًّا!".

 

 

 

أوّلاً قراءتي للنصّ

 

 أُعطيَ لهذا النصّ ثلاثة عناوين، الأوّل "صلب يسوع" (33 - 38)، وله نصّ موازٍ أوّل في متّى (27: 33 - 44)، وثانٍ في مرقس (15: 22 - 32)، وثالث في يوحنّا (19: 17 - 24)؛ والثاني "توبة أحد المجرمَين المصلوبَين" (39 - 43)؛ والثالث "موت يسوع" (44 - 49)، وله نصّ موازٍ أوّل في متّى (27: 45 - 56)، وثانٍ في مرقس (15: 33 - 41)، وثالث في يوحنّا (19: 28 - 30).

 

 

 يتميّز هذا النصّ بأمور عديدة، أهمّها.

 

 التشديد على الطابع الخلقيّ لآلام الربّ يسوع؛ يتأمّلها المسيحيّ المؤمن، فيرى في يسوع بطل المتألّمين، ويتّخذه مثالاً وقدوة.

 

يُظهِر لوقا براءةَ يسوع الكاملة، وصبره واحتماله العجيب، وهو في علاقة حميمة، دائمة ومباشرة، بأبيه؛ ليس يسوع إنسانًا عاديًّـا، بل هو ابن الله، يرفعنا بآلامه إلى الآب.

 

يتفرّد لوقا بذكر مغفرة يسوع لصالبيه، وقبول توبة اللّصّ؛ وبذكر صلاة يسوع الأخيرة، التي بها استودع روحه في يدَي أبيه السّماويّ.

 

 

 

 

ثانيًا  شرح عبارات وكلمات.

 

 

اغفر لهم (34)

 

صلّى يسوع، وطلب من الله أبيه الغفران لصاليبه؛ وعلى مثاله فعل إسطفانس (رسل 7: 60).

 

 كان الشعب واقفًا ينظر (35): يقابل لوقا بين صمت الشعب المليء بالإحترام، وبين سخرية الرؤساء، وما فيها من لا إيمان!.

 

 إن كنت أنت ملك اليهود (37) أعلن الرؤساء والجنود، من دون أن يدروا، أنّ يسوع ملك، وهو، وحده، يقدر أن يحمل الخلاص.

 

 

 اذكُرْني عندما تأتي في ملكوتك (42) تجب الإشارة إلى أنّ الربّ يتذكّر ولا ينسى، وإلى أنّه سيأتي ملكًا في مجيئه الثاني.

 وانشقّ حجاب مقدس الهيكل (45) حدث ذلك عند موت يسوع، وما يعني أنّه لم يعد شيء يحجب الله عن المؤمنين، سواء جاءوا من العالم اليهوديّ أو من العالم الوثنيّ.

 

 حقًّـا كان هذا الرجل بارًّا (47) هو بريء، سائر في خطّ قصد الله، كما قال بيلاطس (لو 23: 4، 14، 22)؛ تحاشى لوقا استعمال لقب "ابن الله" (كما في متّى ومرقس)، على فم وثنيّ، باعتبار أنّ الوقت لم يكن قد حان، ليعلن العالم الوثنيّ إيمانه بالمسيح.- الآيات (40 - 43): نحن أمام مشهد توبة، خاصّ بلوقا، كما في (7: 36 - 50؛ 19: 1 - 10؛ رسل 9: 1 - 25؛ 10؛ 16: 14 - 15، 29).

 

الآية (46)

 

صلّى يسوع هنا (مز 31: 6)، وفي متّى ومرقس (مز 22: 2)، فأنهى حياته بين يدَي الله الآب، كما بدأها (لو 2: 49)؛ صلّى يسوع صلاة الأبناء (أبّا)، قبل أن يخلدوا إلى النوم، بانتظار النهوض في الصّباح، كما فعل يسوع في صباح الأحد، وظَهَرَ للنسوة.

 

 

 

 

 

يوحنّا الإنجيليّ (19: 17 - 30)

 

 

17 وَحَمَلَ يَسُوعُ صَلِيبَهُ، وَخَرَجَ إلى مَكَانٍ يُدعَى جُمجُمَة، وَبِالعِبرِيَّةِ "جُلجُثَة".

 

18 هُنَاكَ صَلَبُوه، وَصَلَبُوا مَعَهُ اثنَينِ آخَرَين، مِن هُنَا وَمِن هُنَا، وَيَسُوعَ بَينَهُمَا.

 

19 وَكَتَبَ بيلاطُسُ عِنوَانًا وَوَضَعَهُ على الصَّلِيب، وَكَانَ مَكتُوبًا فِيهِ: "يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ اليَهُود".

 

20 فَقَرأَ هَذَا العِنوَانَ كَثِيرٌ مِنَ اليَهُود، لأنَّ المَكَانَ الَّذي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيبًا مِنَ المَدينَة، وَلأنَّ الكِتَابَةَ كَانَت بِالعِبرِيّةِ وَاللاَّتِينِيَّةِ وَاليُونَانِيَّة.

 

21 فَقَالَ أحبَارُ اليَهُودِ لِبِيلاطُس: "لا تَكتُبْ: مَلِكُ اليَهُود، بَل إنَّهُ هُوَ قَال: إنّي مَلِكُ اليَهُود".

 

22 أجَابَ بِيلاطُس: "مَا كَتَبتُهُ، قَد كَتَبتُهُ".

 

23 وَلَمَّا صَلَبَ الجُنُودُ يَسُوع، أخَذُوا ثِيَابَهُ، وَجَعَلُوهَا أربَعَ حِصَص، لِكُلِّ جُندِيٍّ حِصَّة. وَأخَذُوا القَمِيصَ وَكَانَ قِطعَةً وَاحِدَةً غَيرَ مُخَيَّطَة، بَل مَنسُوجَةً كُلُّهَا مِن أعلَى إلى أسفَل.

 

24 فَقَالَ بَعضُهُم لِبَعض: "لا نَشُقَّهُ، بَلْ لِنَقتَرِعْ عَلَيهِ لِمَن يَكُون".فَتَمَّت آيَةُ الكِتَاب: "اقتَسَمُوا ثِيَابِي بَينَهُم، وعَلى لِبَاسِي اقتَرَعُوا". هَذَا مَا فَعَلَهُ الجُنُود.

 

25 وَكَانَت وَاقِفَةً بِالقُربِ مِن صَلِيبِ يَسُوعَ أُمُّه، وأُختُ أُمِّهِ، وَمَريَمُ زَوجَةُ كَلُوبَا، وَمَريَمُ المَجدَلِيَّة.

 

26 فَلَمَّا رَأى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلمِيذَ الَّذي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا إلى جَانِبِهَا، قَالَ لأُمِّهِ: "يَا امرَأة، هَا هُوَ ابنُكِ!".

 

27 ثمَّ قَالَ لِلتِّلمِيذ: "هَا هِي أُمُّكَ!". وَمِن تِلكَ السّاعَةِ أخَذَهَا التِّلمِيذُ إلى خَاصَّتِهِ.

 

28 بَعدَ ذَلِكَ، كَانَ يَسُوعُ يَعلَمُ أنَّ كُلَّ شِيءٍ قَد تَمّ، وَلِكَي تَتِمَّ آيَةُ الكِتَابِ قَال: "أنَا عَطشَان!".

 

29 وَكَانَ هُنَاكَ إنَاءٌ مَملُوءٌ خَلاًّ، فَغَمَسُوا في الخَلِّ إسفَنجَةً، وَوَضَعُوهَا على عُودٍ مِن زُوفَى، وَأدْنَوهَا مِن فَمِهِ.

30 فَلَمَّا ذَاقَ يَسُوعُ الخَلَّ قَال: "لَقَد تَمّ!". ثمَّ حَنَى الرَّأس، وَأسلَمَ الرُّوح.

 

 

 

 

أوّلاً قراءتي للنصّ

 

 

 أعطي لهذا النصّ أربعة عناوين،  الأوّل "صلب يسوع" (17 - 22)، وله نصّ موازٍ أوّل في متّى (27: 32 - 44)، وثانٍ في مرقس (15: 21 - 32)، وثالث في لوقا (23: 26 - 43)؛ والثاني "اقتسام ثياب يسوع" (23 - 24)؛ والثالث "مريم ويوحنّا عند الصّليب" (25 - 27)؛ والرابع "موت يسوع" (28 - 30)، وله نصّ موازٍ أوّل في متّى (27: 45 - 55)، وثانٍ في مرقس (15: 33 - 39)، وثالث في لوقا (23: 44 - 48).

 

 

 يتميّز هذا النصّ بالأمور التالية.

 

 

 تشديد على الطابع الملكيّ لآلام الربّ يسوع: إنّه الملك الحقيقيّ الأوحد، ولكنَّ ملكه ليس من هذا العالم؛

يتفرّد يوحنّا بذكر القميص المنسوج كلّه نسجًا واحدًا لم يشقّ؛ ووجود العذراء والتلميذ الحبيب على أقدام الصّليب.

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

الآية (17)

 

 

كان على المحكوم بالإعدام أن يحمل أداة عذابه؛ لذلك، حمل يسوع عارضة الصّليب على كتفيه، لأنّ القسم الأساسيّ من الصّليب كان مغروزًا في الأرض؛ هذا القول يتباين مع القول التقليديّ بحمل يسوع كامل صليبه، ولكنّه قول من نطاق التاريخ، لا تأثير له على الإيمان؛ لا يذكر يوحنّا الإنجيليّ سمعان القيرواني الذي "سخّروه ليحمل صّليب يسوع" (متّى 27: 32؛ مر 15: 21)، أو الذي "جعلوا عليه الصّليب وراء يسوع" (لو 23: 26)، فيصبح هكذا التلميذ المثاليّ (9: 23؛ 14: 27)، بل قول يوحنّا بأنّ يسوع خرج، وهو يحمل صليبه، وكأنّه أراد أن يأخذ، وحده، مصيره بيديه؛ ربّما كان الداعي إلى ذلك تفسير ظاهريّ يقول بأنّ سمعان القيروانيّ، هو الذي صُلب، لا يسوع؛ نادت بهذا التفسير بدعةٌ، بهدف إبعاد الموت عن يسوع الذي ما اعتبرته إنسانًا حقيقيًّـا، بل شبهَ إنسان.

 

 

 

 

 الآية (18)

 

رأى متّى (27: 38)، ومرقس (15: 27) في المصلوبَين لصَّين؛ ورأى لوقا (23: 33) فيهما مجرمَين؛ أمّا يوحنّا، فيرى فيهما "اثنَين آخَرَين" يائسَين، شاركهما يسوع في مصيرهما: كان بينهما الملك! جعلوا يسوع مع الخطأة، فكان في خطّ رسالة مَن هو حمل الله الذي يرفع خطايا العالم.

 

 

 

 

 الآيات (19 - 22)

 

عنوان يسوع يعلن عن سبب الحكم عليه بالموت؛ يشدّد يوحنّا على أنّ يسوع الذي هو من الناصرة (حيث لا يخرج شيء فيه صلاح)، هو الملك الذي يموت عن شعبه؛ وجاء الإعلان عن هذا الحدث في لغات العالم: العبريّة، بل الآراميّة، اللّغة المتداولة لدى اليهود منذ الحكم الفارسيّ، وبالتالي لغة يسوع؛ اللاّتينيّة، لغة روما الرسميّة؛ اليونانيّة، لغة التخاطب عبر الأمبراطوريّة كلّها؛ هكذا عرفت البشريّة كلّها بموت يسوع على الصّليب! بالصّليب إذن، صار يسوع الملك المسيحانيّ، فدوّن هذا الحدث في لغات العالم المعروفة، وبدا بيلاطس "مناديًا" بالمسيح من دون أن يدري.

 

 

 

 الآية (23)

 

تقضي القواعد المرعيّة الإجراء، في العالم الرّومانيّ، أن يتقاسم الجنود ثياب المحكوم عليه بالموت؛ كان عددهم أربعة، ما يدلّ على العالم كلّه؛ يميّز يوحنّا القميص (لا خياطة فيه) من الثياب التي تلبس فوقه؛ وقابل بعضهم بين قميص يسوع وقميص عظيم الكهنة؛ وتحدّث الآباء عن هذا القميص الذي يرمز إلى وحدة الكنيسة؛ ورأى يوحنّا في هذا الحدث تتميمًا لما قال الكتاب (مز 22: 19).

 

 

 

 الآية (25)

 

نجد هنا أربع نساء: أمّ يسوع؛ أخت أمّه التي هي سالومة زوجة زبدى وأمّ يعقوب ويوحنّا؛ مريم زوجة كلوبا (الذي لا يُذكَر في الإنجيل إلاّ هنا)، وأمّ يعقوب ويهوذا ويوسف وسمعان (متّى 13: 55) الذين يسمَّون إخوة يسوع؛ ومريم المجدليّة (تُذكَر في الموت والقيامة، راجع يو 8: 2 - 3)؛ حين نعرف أنّ الأمّ تدلّ على الأمّة والشعب، نفهم أنّ البشريّة كانت، بأقطارها الأربعة، واقفة عند صليب يسوع، ما يدلّ على القيامة قبل أوانها.

 

 

 الآية (26)

 

إذا كان التلميذ الحبيب هو يوحنّا الحبيب، تكون مريم في ضيافة أختها بعد موت ابنها؛ وإذا كان التلميذ الحبيب (في المعنى الرمزيّ) هو كلّ واحد من المؤمنين، يكون يسوع قد ضمّنا إلى صليبه، وطلب منّا أن نأخذ أمّه إلى بيتنا، إلى خاصّتنا (27)؛ هي أمّ يسوع، هي أمّنا، هي أمّ الكنيسة التي هي جسد المسيح.

 

 

 شرح عبارات وكلمات

 

 

 كلّ شيء قد تمّ (28)

 

أي الرسالة التي طُلِبَ من يسوع أن يقوم بها؛ هي حسب الكتاب المقدّس، وبالتالي حسب مشيئة الله الآب، التي نقرأها في الكتاب المقدّس.

 

 

 أنا عطشان (28)

 

نتذكّر كلام يسوع حين طلب من السّامريّة ماءً ليشرب (يوحنّا 4)، وهو الذي يريد أن يعطينا ماء الحياة الأبديّة، حيث لا نعود نعطش.

 

 الخلّ والزوفى (29)

 

هو شراب الفقراء، وبالتالي، شراب يسوع الذي، وهو الغنيّ، قد افتقر من أجلنا، (2 قور 8: 9)؛ وتستعمل الزوفى في طقس الحمل الفصحيّ (خر 12: 22) من أجل التطهير (لا 14: 4؛ مز 51: 9)؛ ولا ننسى أنّ يسوع هو حمل الفصح.

 

 

 حنى رأسه (30) ظلّ يسوع سيّد نفسه حتّى النهاية.

 

 وأسلم الرّوح (30)

 

في معنًى أوّل: مات؛ وفي معنًى ثانٍ: سلّم الرّوح القدس إلى العالم بعد موته (7: 39؛ 16: 5 - 7)، وسوف يسلّمه إلى كنيسته في ظهوره الفصحيّ (20: 22).

 

 

                                                                          

  الأب توما مهنّا