الجمعة السادسة من الصوم الكبير «الإنجيل

 

 

إنجيل اليوم (لو 4: 1-13)

 

 

1 وعَادَ يَسُوعُ مِنَ الأُردُنّ مُمتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وكانَ الرُّوحُ يَقودُه في البرِّيَّة،

 

2 أَربَعينَ يوماً، وإِبليسُ يُجَرِّبُه. ولَم يأكُلْ شَيئاً في تِلكَ الأَيَّام. ولَمَّا تَمَّت جَاع.

 

3 فقالَ له إِبليس: "إِن كُنتَ ابنَ الله فَقُل لِهذا الحَجَرِ أَن يَصيرَ رَغيفًا".

 

4 فأَجابَه يسوع: "مَكتوب: لَيَسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنسان".

 

5 وصَعِدَ بِهِ إِبليس إلى جَبَلٍ عَالٍ، وأَراهُ جَميعَ مَمالِكِ المَسكُونَةِ في لَحظَةٍ مِنَ الزَّمَن،

 

6 وقالَ له: "أُعطِيكَ هذا السُّلطانَ كُلَّهُ، ومَجدَ هذهِ الـمَمالِك، لِأَنَّه سُلِّمَ إِليَّ، وأَنا أُعطِيهِ لِمَن أَشاء.

 

7 فَإِن سَجَدتَ أمَامِي يَكُونُ كُلُّهُ لَكَ".

 

8 فَأَجابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُ: "مَكتوبٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسجُد، وإِيَّاه وَحدَه تَعبُد".

 

9 وقَادَهُ إبلِيسُ إِلى أُورَشَليم، وأَقامَه على جَنَاح الـهَيكَل، وقالَ لَهُ: "إِن كُنتَ ابنَ الله فأَلْقِ بِنَفْسِكَ مِن ههُنا إِلى الأَسفَل،

 

10 لِأَنَّهُ مَكتوب: يُوصِي مَلائِكَتَهُ بِكَ لِيَحفَظوكَ.

 

11 ومكتوب أَيضًا: على أَيديهِم يَحمِلونَكَ، لِئَلاَّ تَصدِمَ بِحَجَرٍ رِجلَكَ".

 

12 فأَجابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُ: "إنَّهُ قِيل:لا تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَـهَكَ".

 

13 ولَمَّا أَتَمَّ إِبليسُ كُلَّ تَجَارِبِهِ، ابتَعَدَ عَن يَسُوعَ إلى حِين.

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

 

 أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم، يوم الأربعين من الصوم الكبير، العنوان التالي تجارب يسوع؛ له نصّ موازٍ في متّى (4: 1-11)، وآخر مختصر في مرقس (1: 12-13)؛ ترينا المقارنة بين هذه النصوص الثلاثة الملاحظات التالية.

 

 يربط لوقا حدث تجارب يسوع بعماده، كما يفعل متّى ومرقس، ولكن بعد أن يفصل بينهما النَّسَب؛ إذن، الروح القدس، الذي اقتبله يسوع في عماده، هو نفسه قاده إلى البرّيّة ليجرَّب وينتصر.

 

 صوم يسوع يذكّر بصوم موسى (خر 34: 28)، وإيليّا (1 مل 19: 8)، ومسيرة الشعب القديم في الصحراء (عد 14: 34).

 

 لا يذكر مرقس تجارب يسوع الثلاث مفصّلة كما في متّى ولوقا؛ ويختلف لوقا عن متّى في ترتيب التجربتَين الأخيرتَين، إذ "التجربة في أورشليم" هي الثانية لدى متّى، والثالثة لدى لوقا، وكأنّ هذا يربطها بآلام يسوع وموته وقيامته في أورشليم.

 

 يتفرّد مرقس بذكر وجود يسوع في البرّيّة "مع الحشود"، وذلك رمز إلى الفردوس الأرضيّ والسلام الشامل (آش 11: 6-9).

 

 

 

 

 يمكن القول بأنّ إبليس قد انطلق في تجاربه ليسوع من هويّة يسوع بالذات، أي من كونه ابنًا لِلّه، وقد هدَفَ إبليس يتجاربه، إلى إغراء يسوع، وحمله على التصرّف بهذه البنوّة للهدم، لا للبناء؛ فدعاه في التجربة الأولى، إلى التصرّف بغرابة، فيحوّل الحجر إلى رغيف (دعاه إلى نقض ذاتيّة الأشياء في فرديّة جهودها!).

 

ودعاه في التجربة الثانية، إلى التصرّف بحماقة، اجْثُ لي ساجِدًا، فأعطيك كلّ ممالك العالم، والسلطان عليها (دعاه إلى أن يتناقض مع ذاته).

 

ودعاه، في التجربة الثالثة، إلى التصرّف بخفّة، فيلقي نفسه من جناح الهيكل إلى الأسفل، لأنّه مكتوب: يوصي ملائكته بك ليحفظوك، وعلى أيديهم يحملونك، لئلّا تصدم بحجر رجلك (دعاه إلى نقض قوانين الأشياء في علاقتها وأجزائها بعضها ببعضٍ).

 

 

 

 لذلك، قاومه الربّ بما بتناسب مع كلٍّ من هذه التجارب، وانتصر عليه؛ قال له، في إطار التجربة الأولى، بأن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله (متّى 4: 4)، وتخلق وتوجد، معًا، الحجر والرغيف؛ وقال له، في إطار التجربة الثانية، كلّ مكتوب هو بالنهاية، مرتكز على "المكتوب الأساس": "للربّ إلهك تسجد، وإيّاه وحده تعبد"؛ وقال له، في إطار التجربة الثالثة، بأن على الإنسان التقيّد بكلّ مكتوب، في الطبيعة وقوانينها، وهكذا لا يتعرّض لمخالفة المكتوب التالي: "لا تجرّب الربّ إلهك".

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

 كما جُرّب شعب إسرائيل في البريّة (خر 15-18)، كذلك جُرّبَ يسوع، فدلّ على أنّه يتضامن مع شعبه؛ أراد إبليس أن يبعد يسوع عن مخطّط الله بواسطة الغنى والنفوذ والسلطة؛ استقى يسوع أجوبته من الكتاب القدّس، فرفض أن يجرّب الله، وقدّم نفسه  ليكون بكليّته في خدمة الملكوت.

 

 

 شرح عبارات وكلمات.

 

 

 أربعين يومًا (2)

 

تحدَّثَ مرقس (1: 13) عن تجارب دامت أربعين يومًا، ومتّى (4: 2) عن تجارب ثلاث في نهاية الأربعين يومًا، فجمع لوقا التقليدَين معًا.

 

 

 يصير رغيفًا (3)

 

رفض يسوع تحويل الحجر إلى رغيف، لكي لا يبتعد عن آدم، وعن كلّ إنسان، يعمل بيديه ليأكل خبزه.

 

 

 أعطيك هذا السلطان كلّه (6)

 

يدعو إبليس يسوع إلى أن يكون المسيح الزمنيّ الذي ينتظره الناس؛ لكنّ يسوع يرفض ذلك، لأنّ السلطان الذي سيعطيه إيّاه الآب يدوم إلى الأبد (10: 22؛ 22: 29).

 

 

 

 فإن سجدتَ أمامي (7)

 

التجربة الثالثة في لوقا هي الثانية في متّى؛ أراد لوقا أن تنتهي التجارب في أورشليم، حيث ستكون المعركة الأخيرة (13)، ويتمّ انتصار يسوع النهائيّ.

 

 

 كانت تجارب يسوع تجارب حقيقيّة، لا رمزيّة، ولكنّه لم يخطأ؛ واجه المجرّب، وقاومه بسلاح الروح: كلام الله (أف 6: 17)؛ وحربه مع إبليس مرّت بالموت وانتهت بالقيامة؛ جُرِّبَ كما نُجَرَّب، وانتصر، ونحن به ننتصر؛ علينا أن نجعل هذا الانتصار واقعًا ملموسًا.

 

 

الأب توما مهنّا