الإثنين الثالث من الصوم الكبير «الإنجيل

 

إنجيل اليوم (يو 8: 21-27)

 

 

21 وَعَادَ يَسُوعُ يَقولُ لَهُم: "أَنا أمضِي، وتَطلُبُونَنِي وتَمُوتُونَ في خَطيئَتِكُم. حَيثُ أَنا أمضِي لا تَقدِرونَ أَنتُم أَن تَأتُوا!".

 

22 فَأخَذَ اليَهُودُ يَقولُون: "أَتُراهُ يَقتُلُ نَفسَهُ؟ فَإنَّهُ يَقول: حَيثُ أَنا أمضِي لا تَقدِرونَ أَنتُم أَن تَأتُوا!".

 

23 ثُمَّ قَالَ لَهُم: "أَنتُم مِن أَسفَل، وأَنا مِن فَوق. أَنتُم مِن هذا العَالَم، وأَنا لَستُ مِنَ هَذا العَالَم.

 

24 لِذلك قُلتُ لَكُم: سَتَمُوتُونَ في خَطَايَاكُم. أجَل، إن لم تُؤمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُوا في خَطَايَاكُم".

 

25 فَقَالُوا لَهُ: " أَنتَ، مَن أَنت؟" قالَ لَهُم يَسُوع: "أَنا هُوَ ما أَقولَهُ لَكُم مُنذُ البَدء.

 

26 لي كَلامٌ كَثيرٌ أَقولُه فِيكُم وأدِينُكُم. لَكِنَّ الَّذي أَرسَلَنِي صادِق. ومَا سَمِعتُهُ مِنهُ، فَهَذَا أَقولُهُ لِلعَالَم".

 

27 ولَم يَعرِفُوا أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُم عَنِ الآب.

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

 

 يُشدّد هذا النصّ على أنّ الخلاص من الخطيئة والهلاك لا يتمّ إلّا بالإيمان بيسوع المسيح، الذي له وحده السلطان على الخطيئة والموت؛ وما الخلاص سوى العبور مع المسيح إلى جوار الآب.

 

ما قاله يسوع لليهود، وبالتالي لنا، والخاصّ به:

"أنا أمضي"، "أنا من فَوق"، "أنا لست من هذا العالم"؛ يدعو الربّ يسوع اليهود، ويدعونا نحن، إلى وعي الحقيقة التالية: إنّه ليس من هذا العالم الذي نحن فيه ونعرفه، ولا نعرف سواه كما نعرفه؛ إنّه من عالم آخر أفضل بكثير، بما لا يقاس، عن هذا العالم؛ وإنّه عائد، بعد إتمام رسالته، إلى عالمه، إلى عالم ملكوت الله الآب الذي أرسله.

 

 

 "أنا هو ما أقوله لكم منذ البدء"؛ أي هو المخلّص المنتظَر، الذي وعَدَ اللهُ الآب الإنسان الخاطئ بإرساله إليه، لكي يخلّصه من الخطيئة؛ وهو كلمة الله، التي غرسها الخالق في قلب الإنسان وكيانه، لكي يبقى دائمًا، مهما خطئ وابتعد وضلّ، مفتّشًا عنه ومتصوّرًا له وتائقًا إليه، كما يشهد على ذلك التاريخ البشريّ برمّته.

 

 

 "لي كلام كثير أقول فيكم وأدينكم، لكنّ الذي أرسلني صادق، وما سمعته أنا منه، فهذا أقول للعالم"؛ ليسوع مآخذ على اليهود في فهمهم للتعليم الذي أعطوه بالشريعة والأنبياء، وفي سلوكهم الأخلاقيّ والاجتماعيّ، وفي مواقفهم منه ومن تعليمه وأعماله؛ ولكنّه، لم يأتِ ليقول ذلك، ويدينهم عليه؛ بل أتى ليقول لهم وللعالم ما سمعه من الآب، أنّه هو المخلّص وهو صادق، لأن الله صادق.

 

 ما قاله يسوع لليهود، وبالتالي لنا، والخاصّ بهم وبنا:

 

 

 وسوف "تطلبونني"، و"حيث أمضي لا تقدرون أنتم أن تأتوا"، فتموتون في خطيئتكم"؛ أنتم من أسفل ...، أنتم من هذا العالم"؛ "ستموتون في خطاياكم، أجل إن لم تؤمنوا أنّي أنا هو تموتون في خطاياكم".

 

 

 ما قاله يسوع لليهود، يقوله لنا، وهو أنّنا، إذا ما كان موقفنا كموقف اليهود منه، فسوف نشعر بالحاجة إليه، يومًا، فنطلبه، وقد لا نقدر أن نصل إليه، ونموت في خطايانا؛ يدعونا الربّ، إذن، إلى التلفّت والتحرّر من الحاضر الزمنيّ، الذي يلهينا، فلا نشعر بالحاجة إليه؛ وإلى استحضار "المستقبل"، أي اللازمنيّ أو الأبديّ" الذي فيه سنصبح بحاجةٍ كلّيّةٍ إليه، لكي نبدأ، منذ اللحظة، بالعيش معه وله، في إطار الإيمان والرجاء والمحبّة.

 

 

 ماذا فهم اليهود من أقوال يسوع، وكيف فهموها؟

 

 توقّف اليهود أوّلًا، عند أقوال يسوع التي تتناول مصيره: "أنا أمضي...، وحيث أمضي لا تقدرون أنتم أن تأتوا"، فأثارت لديهم التساؤل التالي: "أتراه يقتل نفسه؟"

ب- وتوقّف اليهود ثانيًا، عند أقوال يسوع التي تتناول هويّته: "إنّي أنا هو"، فأثارت لديهم التساؤل التالي: "أنتَ مَن أنت؟"، ولكنّهم لم يفهموا، بل لم يشاؤوا أن يفهموا جوابه لهم: "أنا هو ما أقوله لكم منذ البدء"، أي علاقته الحميمة والفريدة مع الله الآب.

 

 

 هذا النصّ هو في إطار الجدل بين يسوع وخصومه، الذي كان يدور دومًا حول كيانه العميق وعلاقته بأبيه (يو 8: 19)، الذي يكفل له رسالته؛ وحين سأله اليهود: "أنتَ مَن أنت؟"، جاء جوابه شبهًا بجواب الله لموسى في العلّيقة الملتهبة: "أنا هو" (24؛ 28؛ راجع خر 3: 14)؛ ويوضح يسوع كلامه ويعلن أنّه سوف يكشف على الصليب كيانه الحقيقيّ، ورسالته التي تحمل الحياة (21-30)؛ ويبقى التعارض بينه وبين اليهود: فحيث يمضي، لا يقدرون، هم، أن يمضوا؛ إنّهم لا يفهمون، ولا يريدون أن يفهموا؛ إنّهم لا يؤمنون، ولا يريدون أن يؤمنوا؛ ذاك كان موقف اليهود، حين كُتِبَ الإنجيلُ الرابع.

 

 

 الآية (22)

 

يعلن اليهود، من دون أن يدروا، المصير الذي ينتظر يسوع، بقولهم: "أتراه يقتل نفسه؟"، أي أتراه يبذل حياته؟ (يو 10: 1-18)؛ كما أعلن قَيافا، من دون أن يدري، أنّ يسوع سيموت فدى الأمّة (يو 11: 15)، وكما قال بيلاطس، وهو جالس على كرسيّ القضاء: "ها هو ملككم" (يو 19: 13-14)، وأجابهم على اعتراضهم: "ما كتبتُهُ، قد كتبتُهُ" (يو 19: 22)، فدلّ بذلك، من دون أن يدري، أنّ يسوع سيكون الديّان.

 

 

 شرح عبارات وكلمات.

 

 من أسفل ... من فوق (23):

 

راجع (يو 3: 31)؛ يسوع هو في هذا العالم، ولكنّه لا يرتبط بهذا العالم (يو 15: 19؛ 1 يو 3: 10).

 

 إن لم تؤمنوا أنّي أنا هو (24)

 

هذا هو اسم الله في العهد القديم (راجع يو 8: 58)؛ قارِنْ (يو 6: 25؛ خر 3: 14)؛ نلاحظ وجود "أنا هو" في المطلق، من دون شيء يتبعها (مثلًا، أنا هو خبز الحياة)؛ الإيمان بيسوع حياة، وعدم الإيمان خطيئة تقود إلى الموت.

 

 ولم يعرفوا (27)

 

 

تَحَدَّثَ يسوع إلى اليهود عن نفسه، وعن الآب أيضًا وفي الواقع، ولكنّهم لم يعرفوا، وما فهموا، لأنّ عيونهم أعميت عن كلامه.

 

الأب توما مهنّا