ما معنى الصليب ؟ «متفرقات

 

 

ما معنى الصليب ؟

 

 

 

ما معنى الصَّليب والإتّباع للمسيح الذي عاشه الشّهيد الأب فرانس اليسوعيّ؟

 

 

الصَّليب هو مفتاح الخلاص الشَّامل للجميع، مجد وفرح ممزوج بالألم، حبّ من قلب مفتوح لكنّه مجروح بقوّة العظمة الألهيّة. الصَّليب يتجلى معناه في التضحية وبذل الذات في الخدمة من أجل الآخرين. الصَّليب طريق للحياة الأبديّة، وجسر عبور للنجاة مِن كلّ المخاطر.

 

الصَّليب هو إشارة انتصار على التجربة، والخطيئة. الصَّليب هو العلامة المميَّزة التي تظهر في كلّ شيء تقريبًا في عبادتنا وخدمتنا، نحن نرسم الصَّليب مرَّات لا حصر لها، قبل وبعد صلواتنا، في أوقات التجارب، والضيقات، في أثناء الحروب الرُّوحيّة، والمخاطر الخارجيّة، وقبل أن نؤدّي أي عمل خطير، وقبل أن نتكفل أو نتعهّد بشيء.

 

يقول ما أفرام السُرياني: "دع علامة الصَّليب تدمغ كلّ أفعالك…". وأيضًا القدّيس كيرلّس الأورشليمي في القرن الرّابع يقول: "ليتنا لا نخجل من أن نعترف بالمسيح المصلوب، إنّ الصَّليب هو ختمنا، نرسمه في ذهابنا وإيابنا، عند نومنا واستيقاظنا، عند أسفارنا ووصولنا وراحتنا".

 

الصَّليب هو النافذة التي رأينا منها الحقيقة العظمى عن محبّة الله لنا، ولكلِّ إنسان في البشريَّة: "هكذا أحبَّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة" (يو3 :16).

 

لم يعد الله صامتًا، بل تكلّم بوضوح وبجلاء من فوق الصَّليب في شخص المصلوب يسوع المسيح قال كلمات كلّها عطاء "فأعطى الغفران لصالبيه، وللص اليمين الفردوس، أعطى لمريم العذراء إبنًا روحيًا، وأعطى يوحنّا أمّه مريم في بيته، أعطى للبشريّة الفداء، أعطانا اطمئنانًا على خلاصنا، أعطى الآب السّماوي وفاءًا لديوننا".

 

والآب وهب لنا كلّ شيء بعد أن أعطانا إبنه وبيَّن محبَّته لنا، "تلك هي المحبَّة، نحن ما أحببنا الله، بل أنّه أحبَّنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (ايو4: 10). كلّ هذا حدث على الصَّليب الباب المفتوح الذي مكننا أن نرى قلب الله المحب، والمتألّم، والمخلّص، والفادي، فعلى الصَّليب رأينا الذبيحة الوحيدة الحقيقيّة، الله يقدّم نفسه لأجل كلِّ إنسان "ليس لأحدٍ حبٌّ أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبَّائه" (يو 15: 13).

 

هذا هو نوع الحبّ المضحّي الذي أحبّنا به الله، لنتأمّل كيف يحبّنا الله؟ عندما مات المسيح على الصَّليب، فهو لن يكفّ عن حبِّنا، ويقول لنا اليوم انظروا كم هي محبّتي لكم، ويشير إلى الجراح التي في يديه ورجليه وجنبه وأنا أقول له كيف لا أحبّك يا يسوع المصلوب كما أحببتني، وكيف لا أفتخر بصليبك المحرر الذي عتقني من كلّ القيود.

 

ونحن كيف نتبع المصلوب؟ أعطانا الأب فرانس اليسوعيّ مثلاً في اتّباع التلميذ الحقيقيّ الذي قدّم حياته ذبيحة بشهادة عظيمة للرّاعي الذي لم يتخلَّ عن خرافه مهما كان الخطر، أنكر ذاته بل تجرّد عنها، وصدّق كلمة حقيقيّة قالها يسوع "لأنّ الذي يريد أن يخلّص حياته يخسرها، لكن الذي يخسر حياته في سبيلي يجدها" (متى 16: 25).

 

في نظر العالم خسرنا حياة الأب فرانس لكن في نظرنا نحن المسيحيِّين زاد عدد القدِّيسين الشُّهداء لنا في السَّماء وأصبح شفيع لكلِّ إنسان مظلوم، ومضطهد، دمه ينادي بالحريّة، والعدالة الاجتماعيّة لكلِّ الشّعوب التي تئن من الحرب، والجوع، الظلم والإرهاب، فيقول لنا شخص يسوع: ويذكر هؤلاء النّاس الذين يقتلون نفوس الأبرياء، وينهبون أموالهم وحقوقهم، "ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه؟ وبماذا يفدي الإنسان نفسه؟ سيجيء ابن الإنسان في مجد أبيه مع ملائكته فيجازي كلّ واحد حسب أعماله" (متى 16: 26-27).

 

ومن هذا المعنى للصَّليب الذي عاشه الأب فرانس في اتّباعه الكامل لشخص يسوع المسيح في التضحية، والحبّ الشمولي للجميع في خدمته لكلّ الطوائف في سوريا، نطلب منه أن يساعد كلّ المسيحيِّين أن لا ينهزموا أمام التضحية من أجل اسم المسيح، ولا يخافوا الموت، بل نعطي بحبٍّ أكثر للكلّ من حولنا، نتضامن بكلِّ قلوبنا مع الفقير والمحتاج، المظلوم… نشارك الناس حبّنا، وفرحنا، ورجاءنا في المسيح.

 

 

صلاة

 

يا ربّنا يسوع المصلوب من جديد معنا اليوم في بشريّتنا المتألمة، ساعدنا أن ننحني أمام صليبك بكلِّ خشوع، لأنّك تُريد أن تشركنا معك في إرادتك وعهدك الأخير، رغبة في أن تتذكر ليس فقط اللص التائب، بل كلّ واحد منّا، أنت يارب تُريد أن تورثنا ملكوتك، نحن الذين من أجلنا كان الصَّليب، مِن أجلنا كانت المسامير، مِن أجلنا كان الجلد بالسياط، مِن أجلنا كان إكليل الشّوك، ومِن أجلنا كانت الصّرخة: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" مِن أجلنا كانت الكلمات: "يا أبتاه، إغفر لهم…" لأجل أن يُسامحنا الله وأن نشاركه في الحياة الأبديّة، التي تبدأ من هنا والآن، وتستمرّ إلى الأبد. آمين.

 

 

 

الأخت ماري فرانسواز هنري

راهبات قلب يسوع المصريات