المقابلة العامّة عِبر وسائل التواصل الاجتماعي «متفرقات

 

 "طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام فإِنَّهم أَبناءَ اللهِ يُدعَون" (متى 5، 9)

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

 

 

 

إنّ التعليم المسيحي اليوم مخصّص للتطويبة السابعة، أي "لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام"، الذين يُدعَون أبناء الله. يسرني أن تقع هذه التطويبة السابعة مباشرةً بعد عيد الفصح، لأنّ سلام المسيح هو ثمرة موته وقيامته، كما سمعنا في قراءة القديس بولس. كي نفهم هذه التطويبة، يجب أن نشرح معنى كلمة "سلام"، التي يمكن أن يُساء فهمها أو أحيانًا يمكن أن تُفرَّغ من معناها.

 

 

 

 

نحن أمام فكرتين عن السلام: الأولى وفقًا للكتاب المقدس، حيث تظهر الكلمة الجميلة "شالوم والتي تعبّر عن الوفرة والازدهار والرفاهية. عندما نتمنّى السلام في اللغة العبرية، نتمنّى حياة جميلة وكاملة ومزدهرة، ولكن أيضًا وفقًا للحقيقة والعدالة، اللتان تتحقّقان في المسيح، أمير السلام (را. أش 9، 6؛ مي 5، 4- 5).

 

 

 

ثم هناك المعنى الآخر الأكثر انتشارًا حيث تُفهم كلمة "سلام" على أنها نوع من الاطمئنان الداخلي. أنا مطمئن، أنا في سلام. هذه فكرة حديثة ونفسية وأكثر نسبية. يُعتقد بصورة عامة أنّ السلام هو اطمئنان هدوء وانسجام وتوازن داخلي. هذا التفسير لكلمة "سلام" غير كامل ولا يمكن اعتباره مُطْلَقًا، لأن القلق أيضًا في الحياة يمكن أن يكون مرحلة نموّ مهمّة. في كثير من الأحيان الربّ يسوع نفسه يزرع فينا القلق من أجل الذهاب إليه للقائه واكتشافه. بهذا المعنى فهي مرحلة نمو مهمة. فيما أن الاطمئنان الداخلي قد يعكس أحيانا ضميرًا روضّته المصالح وليس خَلاصًا روحيًّا حقًّا. في كثير من الأحيان يجب أن يكون الربّ يسوع "آيَةً مُعَرَّضةً لِلرَّفْض" (را. لو 2، 34- 35)، يهزّ ضماناتنا الزائفة، كي يقودنا إلى الخلاص.وفي تلك اللحظة يبدو أننا لا نعيش في سلام، ولكن الربّ يسوع هو الذي يضعنا على هذا الطريق للوصول إلى السلام الذي سيعطينا إياه هو نفسه.

 

 

 

 

عند هذا الحد يجب أن نذكّر أنّ مفهوم الربّ يسوع لسلامه يختلف عن السلام البشري، عن سلام العالم عندما قال: "السَّلامَ أَستَودِعُكُم وسَلامي أُعْطيكم. لا أُعْطي أَنا كما يُعْطي العالَم" (يو 14، 27).إنّ سلام يسوع هو سلام آخر، يختلف عن سلام العالم.

 

 

 

لنسأل أنفسنا: كيف يعطي العالم السلام؟ إذا فكرنا في الصراعات الحربية، وجدنا أن الحروب تنتهي عادة على شكلين: إما بهزيمة أحد الطرفين، أو بمعاهدات سلام. لا يسعنا إلا أن نأمل ونصلي من أجل أن تتم دائمًا بحسب الطريقة الثانية. ومع ذلك، فإننا نرى أنّ التاريخ هو سلسلة لا نهاية لها من معاهدات سلام نقضتها حروب متتالية، أو اتّخذت أشكالًا أخرى أو انتقلت إلى أماكن أخرى. حتى في عصرنا، تحدث حروب "على أجزاء" في سيناريوهات متعدّدة وبطرق مختلفة[1]. يجب علينا على الأقل أن نعرف أن "سلام" البعض، في سياق العولمة التي تتكون قبل كل شيء من المصالح الاقتصادية أو المالية، يعني "حرب" الآخرين. وهذا ليس سلام المسيح!

 

 

 

إذًا، كيف يعطي الربّ يسوع سلامه؟ سمعنا القديس بولس يقول إنّ سلام المسيح هو أن "يعمل من الاثنين واحدًا" (را. أف 2، 14)، وأن يلغي العداوة بينهما ويصالحهما. والطريقة لإنجاز عمل السلام هذا هو جسده. في الواقع، هو يصالح بين كل الأشياء ويمنح السلام بدم صليبه، كما يقول الرسول نفسه في مكان آخر (را. قول 1، 20).

 

 

 

وهنا أتساءل، يمكننا جميعًا أن نسأل أنفسنا: من هم بالتالي "صانعو السلام"؟ التطويبة السابعة هي الأكثر نشاطًا وفعاليةً واضحة. التعبير اللفظي مشابه للتعبير المستخدم في الآية الأولى من الكتاب المقدس لعملية الخلق والذي يشير إلى المبادرة والاجتهاد. الحب من طبيعته خلَّاق –الحب هو دائمًا خلاق- ويسعى للمصالحة بأي ثمن. يُدعون أبناء الله الذين تعلّموا فنّ السلام ويمارسونه، ويَعلَمون أنه لا توجد مصالحة بدون بذل الحياة، وأنه يجب السعي إلى السلام مهما تطلّب الأمر، مهما تطلّب الأمر: لا تنسوا هذا! هكذا يجب السعي إليه. هذا ليس عملاً مستقلاً ثمرة لقدرات ذاتية، بل هو تعبير عن النعمة التي نلناها من المسيح، الذي هو سلامنا، والتي جعلتنا أبناء الله.

 

 

 

يتدفق السلام الحقيقي والتوازن الداخلي الحقيقي من سلام المسيح. وسلام المسيح أتى من الصليب، وولَدَ إنسانية جديدة، تجسّدت في مجموعة لا نهاية لها من القديسين والقديسات، المبدعين والخلاقين، الذين ابتكروا دائمًا طرقًا جديدة للحب. القديسين والقديسات هم الذين يبنون السلام. إن حياة أبناء الله هذه: هم الذين، من أجل دم المسيح، يبحثون عن إخوتهم ويجدونهم. هذه هي السعادة الحقيقية.طوبى لمن يسلك هذا الطريق.

 

 

 

ومن جديد أتمنى لكم جميعًا فصحًا مجيدًا في سلام المسيح. شكرًا!

 

 

 

موقع الكرسي الرسولي