الصلاة «متفرقات



الصلاة


يسألني النّاس: أبونا، هل صحيح أنّه لا يجب أن نُصلّي، إذا لم يخطر على بالنا فعل ذلك؟


كنت أفكّر في الأمر وأقول أنّ فيه الكثير من الصّحة، لأنّه لا يمكننا أن نصلّي إلا انطلاقاً من رغبة حقيقيّة. لكن السؤال: من أين تأتي هذه الرّغبة، ومتى أعلم بوجودها؟ من الذي يقول لي أنّ رغبتي في الصّلاة ليست مجرد حاجة نابعة من الخوف أو من باب الواجب؟


الصّلاة قد تكون علاقة وحديث مع الله. إنّما في رأيي هي قبل كلّ شيء استقبال لكلام الله وحبّه في حياتي. لأنّ محور وهدف الصّلاة في النّهاية هو أن أحقـّـق الوحدة المرغوبة والتي أسعى إليها مع الله. هذه الوحدة تتمّ من خلال استقبالي لكلام الله في حياتي حتى تصبح تصرّفاتي وأفكاري، ونظرتي كلّها نابعة من هذا الإستقبال، وذلك الكلام.


إذا حللنا صلاة الأبانا لوجدنا أنّها مكوّنة من جملة طلبات، تعود في النّهاية إلى تحقيق إرادة الله وليس ما أبتغيه أنا. أقلّه بشكل مباشر إذ أنّني مدعوّ لأن أبتغي إرادته لا إرادتي. "لتكن مشيئتك لا مشيئتي". يقول يسوع في بستان الزّيتون: طعامي أن أعمل مشيئة من أرسلني. ويجب ألا ننسى قول يسوع في الإنجيل: بأنّه مهما طلبنا من الآب، فهو لن يعطينا سوى الرّوح القدس، لأنّ هذا الأخير هو الذي يساعدنا على العمل لتحقيق إرادة الله الآب. أو بالأحرى هو الذي يحقـّـق إرادة الله من خلالنا وبداخلنا (لوقا 11:1-14).


كلّ الحياة الرّوحيّة المسيحيّة مبنيّة على الإستقبال. إن لم يكن هناك من استقبال لكلام الله في حياتنا فسوف نقع آنذاك في خطر دين أخلاقيّ وإراديّ، فلا نصل إلى شيء، لأنّنا آنذاك نكون في ظلّ الشّريعة. إذا حلّلنا مثل الزّارع وتسائلنا من الذي يعطي الثّمار؟ سوف نلاحظ أنّ الثّمار آتية من البذار، أي من كلمة الله المزروعة في الأرض الجيّدة، وجودة الأرض تكمن في استقبالها الجيّد لهذه البذرة، الكلمة.


إذاً، ماذا نعيش في الصّلاة؟ نحن في الصّلاة، وخلافاً لما نعتقد نعيش صراعاً قويًّا بين تحقيق إرادتنا أو العمل من أجل أن تتحقـّـق إرادة الله. هذا الصّراع عاشه المسيح أثناء حياته كلّها: أنظر إلى التّجربة في البرّيَّة. هذه التّجربة تدور حول إذا كان المسيح يريد أن يكون هو المصدر وبالتّالي إرادته هي التي سوف تتمّ، أو أنّه يقبل بالتّخلي عن إرادته من أجل أن تتحقـّـق إرادة الآب.


كذلك الأمر في بستان الزّيتون حيث نعتقد بسهولة كبيرة جدًّا بأنّ يسوع تخلّى دون صراع عن إرادته لأنّه إله (هذا الفهم السيِّئ نابع من فهمنا الرّديء لتجسّد المسيح وإنسانيّته). فلنقرأ ما يقوله النصّ لنا:


"ثم خرج فذهب على عادته إلى جبل الزّيتون، وتبعه تلاميذه. ولما وصل إلى ذلك المكان قال لهم: صلّوا لئلّا تدخلوا في تجربة. ثم ابتعد عنهم مقدار رمية حجر وجثا يصلّي فيقول: يا أبتي، إن شئت فاصرف عنّي هذه الكأس، ولكن لتكن لا مشيئتي، بل مشيئتك. وتراءى له ملاك من السّماء يشدّ عزيمته. وأخذه الجهد فأمعن في الصّلاة، وصار عرقه كقطرات دمّ متخثّر تتساقط على الأرض. ثم قام عن الصّلاة فرجع إلى تلاميذه فوجدهم نائمين من الحزن، فقال لهم: ما بالكم نائمين؟ قوموا فصلّوا لئلّا تقعوا في التّجربة" (لوقا22: 39-46). ما يوضح لنا كلّ ذلك هو ما حدث أثناء بدء يسوع لحياته العلنيّة حيث يقول لنا الانجيل: ثم سار الرّوح بيسوع إلى البرّيَّة ليجرّبه إبليس (متى4 :1).


 في تلك السّاعة تهلّل بدافع من الرّوح القدس فقال: أحمدك يا أبتِ ربَّ السّماوات والأرض، على أنّك أخفيت هذه الأشياء عن الحكماء والأذكياء وأعلنتها للصّغار. هذا يعني بأنّ كلّ الأعمال التي كان يقوم بها يسوع، كان يعملها بدافع من الرّوح القدس، وإذا بقي محافظاً على موقعه كإبن في الثالوث ولم يحاول أبداً أن يكون المحور فذلك لاستسلامه إلى الرّوح القدس.


ختاماً:


لقد اعتدنا على الصّلاة، ونعيشها على أنّها هروبٌ من المشاكل، وهروبٌ من الواقع، وأخيراً هروبٌ من عالمنا والعيش في حلم تحقيق عالم خالٍ من كلّ نقص. وهذا يبقى حلم، وعندما نعي بأنّ هذا حلم لن يتحقـّـق أو لم يتحقـّـق نتفاجىء بأنّنا تخلّينا عن الصّلاة، ولم تعد تعني لنا شيئاً.


لنعد إلى الواقع ونحاول أن نعيش صلاتنا باتّصال مستمرّ ٍ مع كلّ ما نعيشه مع ذواتنا ومع الآخرين فنعيش بذلك تجسّدنا بكلّ أبعاده، إذ يصبح الله موجوداً في كلّ مجالات حياتنا، ولم يعد هناك من فصل بين الدّيني والدّنيويّ. 


الأب رامي الياس اليسوعي