الربّ يرحِّب بالخاطئين «متفرقات

 

 

الربّ يرحِّب بالخاطئين

 

 

يُخبرنا يسوع عن مثل الخروف الضّائع (لو15/ 1 -7) إنطلاقـًا من حالة قد وُجِد فيها، حيث نُظر إليه كمشتبهٍ به ومدانٍ من قِبل الأشخاص الصالحين كالفريسيّين والكتبة. هذا لأنّه يأكُل مع العشّارين والخطأة – المهمّشين وغير الأنقياء في عيون المجتمع – لكي يُعلِن أنّ الله يرحِّب بالخطأة وأنّ الدِّين ليس امتيازًا للأصحّاء والأنقياء.

 

لنقتصر الحديث في الكلام عن الرَّاعي الذي ترك الـ99 لكي يذهب ويبحث عن الخروف الضَّائع. عندما لم يجده في اللّيل عند المبيت، كان بإمكانه أن يجد ألف سبب ليقول: سنرى غدًا، الآن ليل ولا نستطيع أن نرى شيئًا. كما يجب الاهتمام والعناية بالـ99، لأنّه اللّيل ووحوش البريّة تجوب خارجًا، ولقد حذّرت هذا الخروف المتمرّد عدّة مرّات. والبقاء ليلة في الخارج ستنفعه كثيرًا وتعلّمه ألاّ يبتعد عن القطيع مجدّدًا.

 

ولكِن، أيّ من هذه الأسباب لا تستطيع أن تخفّف عن قلب الرّاعي. فهو لا يستطيع النوم أبدًا، لأنّ أحد خرافه تائهٌ في الخارج، وحيدٌ في اللّيل. إنّه يذهب إذن للبحث عنه، وينادي اسمه (يو10: 4). وعندما يجد خروفه العنيد أخيرًا، يحمله ويضعه على كتفيه، عوض أن يضربه بالعصا، فيُعيده، وحينئذ تكون الفرحة الحقيقيّة.

 

إنّ سعادة هذا الرَّاعي بعودة خروفه الضَّالّ كبيرة جدًا. وهذا الحيوان ليس بشيء مقارنة مع جنون حبّ الله، "رئيس الرُّعاة" الذي عمل هو أيضًا، بحبّ من أجل قطيعه، فقدّم الحمل ذبيحةً، الذي سيق إلى الذبح، دون أن يفتح فاه (أشعيا 53: 7).

 

لنتأمّل:

 

الله يهتمّ كثيرًا بقطيعه ولذلك لا يفقد أيًّا من خاصّته، فيقبل أن يبذل حياته من أجلهم، هو بذاته، وأن يصبح الأكثر ضعفـًا في قطيعه، الحمل، لكي لا تضيع خرافه. عرف القدّيس يوحنّا في سفر الرّؤيا جيّدًا الحبّ المجنون للرَّاعي الصَّالح بوضعه على العرش لا الضابط الكلّ بل الحمل المذبوح. ونقرأ: "لأنّ الحمل في وسط العرش يرعاهم، ويقودهم إلى ينابيع مياه الحياة" (رؤ 7: 17).

 

المال الذي أنفقته المرأة لكي تعبّر عن فرحتها بإيجاد الدّرهم الضّائع (لو15/ 8 -10)، لا تعكس إلاّ الحقيقة التي لا تُدرك، الحقيقة الموجودة في قلب الله بخاطئٍ يتوب أكثر من 99 من الأصحّاء الذين لا يحتاجون إلى توبة.

 

 

يوضّح القدّيس بولس (1تيم 1: 12-17) الحقيقة غير الطبيعيّة عينها لمحبّة الله، وكيف أنّ محبّة الله قد بحثت عنّه هو المُضطهِد للقطيع والمجدّف باسمه القدّوس – لكي يُجعل منه رسولًا وراعيًّا «فتزايدت فيّ نعمة ربّنا بوفرة، مع الإيمان والمحبّة التي في المسيح يسوع» (1تيم 1: 14).

 

لا يُشدِّد البابا فرنسيس إلاّ على هذه الحقيقة ذاتها، فيطلب من جميع الرُّعاة – ألاّ تعتمد في رعايتها على الأقربين، في العائلة، ضمن العمل، في الصفّ مع المرضى والفقراء! بل الذهاب أبعد من حدود قطعانهم والبحث عن الضائعين والضائعات في هذا العالم الشاسع، غير آبهين بشيء، ولا حتى بدياناتهم.

 

وهذا كلّه ليس بتحويلهم عن دياناتهم أو تبشيرهم، بل بإظهار وجه الله الشغوف للجميع وبدون تفرقة، هو الذي يرحّب بالخطأة ولا يرتاح إلاّ باحتضان كلّ ابن ضال. كما سيّده، وهو الكاهن غير المستحقّ، قال البابا فرنسيس للرّعاة: ونحن جميعًا الرُّعاة الأصغر؛ والأضعف: «على الأساقفة أن يكونوا مبشّرين، قريبين من الناس،... مع الكثير من التساهل والتسامح؛ طويلي الأناة رحماء... على الأسقف أن يكون مع شعبه في ثلاثة مواضع: في المقدّمة كي يدلّهم على الطريق، في المركز كي يُبقيهم موحّدين ويُبعد عنهم التفرقة، وفي المؤخّرة حتى يمنع أيّ أحد من أن يشرد خارج السّرب، ولكن أيضًا وبشكلٍ أساسيّ لأنّ القطيع لديه ذوقه الخاصّ في إيجاد طُرق جديدة». (خطاب موجّه للأساقفة في ريو دي جينيرو – تموز 2013).

 

 

 

بقلم الأب هانس بوتمان اليسوعيّ