البابا يلتقي أساقفة وكهنة ومكرّسي موزمبيق «متفرقات

 

 

 إلتقى قداسة البابا فرنسيس عصر الخميس في كاتدرائيَّة سيّدة الحبل بلا دنس في مابوتو أساقفة وكهنة ومكرّسي موزمبيق وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة شكرهم فيها على حضورهم وشهادتهم وقال:

 

 

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء، سواء أحببنا أو لا، نحن مدعوّون لمواجهة الواقع كما هو. إنّ الأوقات تتغيّر وعلينا أن نعترف أنّنا غالبًا ما لا نعرف كيف نجد مكاننا داخل سيناريوهات جديدة.

 

 

 

 

 نجتمع في هذه الكاتدرائيّة المكرّسة للعذراء مريم سيّدة الحبل بلا دنس لكي نتشارك فيما يحصل كعائلة؛ كعائلة ولدت من الـ"نعم" التي قالتها مريم للملاك. فهي لم تنظر ولا حتى للحظة إلى الوراء. إنّ الإنجيليّ لوقا هو الذي يخبرنا عن أحداث بداية سرّ التجسّد. وفي أسلوبه يمكننا أن نكتشف الأجوبة على الأسئلة التي طرحتموها اليوم وأن نجد أيضًا الحافز الضروريّ لكي نجيب بسخاء وجهوزيّة مريم. كذلك يقدّم القدّيس لوقا بشكل متوازٍ الأحداث المتعلّقة بالقدّيس يوحنّا المعمدان وتلك المتعلِّقة بيسوع المسيح؛ ويريد بذلك أن يجعلنا نكتشف ما بدأ يبطل من أسلوب الله وأسلوبنا في التعاطي معه في العهد القديم، والأسلوب الجديد الذي يحمله لنا ابن الله الذي صار إنسانًا.

 

 

 

 

 لقد سألتموني حول ما ينبغي فعله إزاء أزمة الهويّة الكهنوتيّة وكيف ينبغي محاربتها. وما سأقوله عن الكهنة بهذا الصدّد هو أمر جميعنا قد دُعينا لننمِّيه ونعززه. إزاء أزمة الهويّة الكهنوتيّة ربما علينا أن نخرج من الأماكن المهمّة والاحتفاليّة ونعود إلى الأماكن التي نلنا فيها الدّعوة. أحيانًا وعن غير قصد نعتاد على الامتثال بنشاطاتنا اليوميّة ككهنة مع طقوس معيّنة واجتماعات ولقاءات فنصبح شبيهين بزكريا أكثر من مريم. وأعتقد بأنّنا لا نبالغ عندما نقول بأن الكاهن هو شخص صغير جدًّا لأنّ عظمة العطيّة اللامتناهيّة التي وُهبت لنا بالكهنوت تضعنا بين صغار البشر، لأنّ الكاهن هو أفقر البشر ما لم يُغنه يسوع بفقره، هو الخادم العديم الجدوى ما لم يدعه يسوع صديقًا، هو الأكثر جهلاً بين البشر ما لم يعلمه يسوع بصبر على مثال بطرس، وهو الأضعف بين المسيحيِّين ما لم يقوِّه الرّاعي الصّالح وسط القطيع. ما من أحد أصغر من الكاهن إذا تُرك لقواه الشخصيّة فقط، لذلك فلتكن صلاتنا للحماية ضدّ فخاخ الشرير صلاة أمّنا: أنا كاهن لأنّه نظر بمحبّة إلى صِغري.

 

 

 

 

 يمكن للعودة إلى الناصرة أن تكون الدرب لمواجهة أزمة الهويّة ولكي نتجدّد كرعاة- تلاميذ- مرسلين. لقد تحدّثتم عن مبالغة في القلق حول إنتاج موارد للرفاهيّة الشخصيّة، وبالتالي يمكن لصورة هذه الشابة البسيطة في بيتها والتي تتناقض مع هيكليّة الهيكل وأورشليم أن تكون المرآة التي نرى فيها تعقيداتنا واهتماماتنا التي تُظلم وتفسد سخاء الـ"نعم" التي قلناها. إن شكّ زكريا وحاجته للشروحات يتناقضان مع الـ"نعم" التي قالتها مريم التي سألت فقط أن تعرف كيف سيتمُّ كلّ ما سيحصل. لا يمكن لزكريا أن يتحاشى قلق السيطرة على كلِّ شيء، ولا يمكنه أن يتخلّى عن منطق أن يكون ويشعر بأنّه المسؤول والمبدع لما سيحصل. أمّا مريم فلا تشك ولا تفكّر في نفسها بل تستسلم وتثق. إن عيش العلاقة مع الله على مثال زكريا هو أمر متعب... لا يمكننا أن نركض خلف ما يتجسّد في منافع شخصيَّة بل على تعبنا أن يرتبط بقدرتنا على الشفقة لأنّها التزامات تحرّك قلبنا وتجعله يتأثّر: فنفرح مع الخطّاب الذين يتزوجون، ونضحك مع الطفل الذي يحملونه إلى العماد، ونرافق الشباب الذين يستعدّون للزواج والعائلة؛ ونتألّم مع الذين ينالون المشحة في سرير المستشفى ونبكي مع الذين يدفنون شخصًا عزيزًا عليهم.

 

 

 

إنّ قصص أناسنا ليست نشرات أخبار بالنسبة لنا نحن الكهنة لأنّنا نعرفهم ويمكننا أن نتوقّع ما يحدث في قلوبهم وقلوبنا، وبالتالي وفي التألّم معهم تتفتت قلوبنا وتتأثر ويبدو وكأن الناس قد أكلتها: خذوا كلوا. هذه هي الكلمات التي يهمسها كاهن يسوع على الدوام عندما يعتني بشعبه الأمين: خذوا كلوا وخذوا اشربوا... وهكذا تُبذل حياتنا الكهنوتيّة في الخدمة وفي القرب من شعب الله الأمين. إن تجديد الدعوة يتطلّب منّا غالبًا أن نتأكّد إن كان تعبنا وقلقنا متعلّقان بنوع من "الدنيوية الروحيّة" يفرضها سحر آلاف اقتراحات الاستهلاك التي لا يمكننا التخلُّص منها لكي نسير أحرارًا على الدروب التي تقودنا إلى محبَّة إخوتنا وإلى قطيع الربّ والخراف التي تنتظر أن تسمع صوت رعاتها.

 

 

 

 

 

 ليتمكّن شبابنا من أن يكتشفوا فينا الرّغبة في أن نسمح بأن نؤخذ ونؤكل وليجعلهم هذا الأمر يتساءلون حول اتّباع يسوع وإذ يبهرهم فرح عطاء يومي حرّ وناضج تمَّ اختياره في الصمت والصلاة يرغبون في أن يقولوا الـ"نعم" خاصتهم. أنت الذي لا تزال تتساءل أو أنت الذي تسير على درب التكرّس النهائيّ ستدرك أنَّ قلق وسرعة المحفزّات الكثيرة التي نتعرّض لها يوميًّا، لا تفسح المجال لذلك الصمت الداخليّ، الذي نفهم فيه نظرة يسوع ونصغي إلى دعوته. لا تسمح لهذا الأمر أن يحصل لك، ولكن إبحث عن فسحات الهدوء والصمت التي تسمح لك أن تفكّر وتصلّي وتنظر بشكل أفضل إلى العالم الذي يحيط بك، عندها ومع يسوع يمكنك أن تعرف ما هي دعوتك في هذه الأرض.

 

 

 

 

 هذا التناقض الذي يقدّمه الإنجيليّ لوقا يبلغ ذروته في لقاء المرأتين: أليصابات ومريم. زارت العذراء نسيبتها المسنّة فكان هناك عيد ورقص وتسبيح. لقد حدثتنا اليوم أيضًا أستاذة تعليم مسيحيّ ذكّرتنا أن لا يمكن لشيء أن يفقدكم حماس البشارة؛ هي تمثل جميع الذين يذهبون للقاء الإخوة: إن كان أولئك الذين يزورون على مثال مريم أو أولئك الذين يسمحون للآخرين أن يزورونهم فيقبلوا طوعًا أن يحوّلهم الآخر وأن يقاسمهم ثقافتهم وأسلوبهم في عيش الإيمان والتعبير عنه. إن القلق الذي عبّرت عنه هذه المرأة يظهر لنا أنَّ الانثقاف سيكون تحديًّا على الدوام كـ"الرحلة" بين هاتين المرأتين اللتين تحوّلتا عبر اللقاء والحوار والخدمة.

 

 

 

 إنّ "المسافة" بين الناصرة وأورشليم قد تقلّصت لا بل أصبحت غير موجودة بفعل الـ"نعم" التي قالتها مريم. لأنّ المسافات وبناء الجدران المستمرّ يهدِّدان ديناميكيَّة التجسّد التي هدمت الجدار الذي كان يفصلنا. ولذلك أنتم الذين كنتم شهودًا لانقسامات وأحقاد قادت إلى حروب، يجب أن تكونوا مستعدّين على الدوام لتزوروا بعضكم بعضًا لتقلِّصوا المسافات، لأنّ الكنيسة في موزمبيق مدعوَّة لتكون كنيسة الزيارة.

 

 

 

 

 على مثال مريم التي ذهبت إلى بيت أليصابات، هكذا نحن في الكنيسة علينا أن نتعلّم الدرب الذي ينبغي علينا اتّباعه وسط المشاكل الجديدة وأن نجتهد لكي لا يشلّنا منطق المعارضة والانقسام والإدانة. سيروا وابحثوا عن جواب لهذه التحديّات طالبين مساعدة الرُّوح القدس لأنّه المعلّم القادر على أن يُظهر لكم الدروب الجديدة التي ينبغي عليكم السَّير عليها.  

 

 

 

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.