البابا يكتب مقدمة لكتاب حول الحركات الشعبية «متفرقات

 

 

 

تُصدر دار النشر الفاتيكانيّة كتابًا أعدته اللّجنة الحبريّة لأمريكا اللّاتينيّة حول الحركات الشعبيّة سيتمّ تقديمه في شهر أيلول سبتمبر القادم هو نتاج تأمّل إستمرَّ 5 سنوات لعمل آلاف الحركات الناشطة من أجل نموذج تنموي عادل وشامل. ولهذا الإصدار كتب قداسة البابا فرنسيس مقدِّمة أشار في بدايتها إلى ما وصفه بأرخبيل من مجموعات وروابط وحركات، عمّال بلا ضمانات وعائلات بلا مسكن، مزارعين بلا أرض وممثلي عالم الفقراء والمستبعدين، وأضاف أنّ هؤلاء جميعًا يشكّلون في العالم المعاصر بذرة، غصنًا سيعطي ثمارًا وفيرًا، ومحرّك تغير اجتماعيّ كبير. وذكّر قداسة البابا في هذا السياب بتشديده في كلمته إلى المشاركين في اللّقاء العالمي للحركات الشعبيّة في سانا كروس ديلا سييرا في بوليفيا، في 9 تموز يوليو 2015 خلال زيارته الرسوليّة هذا البلد، على أن مستقبل العالم ليس فقط بيد القوى الكبرى والنخبة، بل وفي الأساس بيد الشعوب وقدرتها على تنظيم ذاتها، بيدها التي تروي مسيرة التغيير.

 

 

 

وتابع البابا فرنسيس متحدِّثا عن أنّ الفقراء ليسوا فقط مَن تخصّهم الكنيسة بعملها والمفضَّلين في رسالتها، بل هم أطراف فاعلة. وأراد قداسته بالتالي أن يعبِّر باسم الكنيسة للكثير من الأشخاص والجمعيّات في الحركات الشعبيّة عن التضامن والرغبة في مرافقتهم في مسيرتهم المستقلة.

 

 

وواصل الأب الأقدس أنّ شبكة الحركات الشعبيّة التي تتجاوز البلدان، ومتعدِّدة الثقافات الدينيّة أيضًا، هي تعبير عن النموذج المتعدّد الأسطح الذي نجد في أساسه نموذجًا إجتماعيًّا مختلفًا، ثقافة اللّقاء. ثمّ أراد البابا فرنسيس تسليط الضوء على بعض الجوانب التي يراها هامّة، فتحدّث أوَّلاً عن قناعته بأنّ الحركات الشعبيّة تمثّل بديلاً اجتماعيًّا كبيرًا وصرخة عميقة ورجاء في إمكانية تغيير كلّ شيء.

 

 

 

 

وواصل مشيرًا إلى عدم رغبة هذه الحركات في التجانس مع الفكر السّائد القائم على هيمنة المال، وإلى أنّها تُثبت من خلال حياتها وعملها، شهادتها ومعاناتها أنّ المقاومة أمر ممكن، متخذة بشجاعة قرارات جيّدة ومعاكسة للاتجاه. نقطة أخرى توقف عندها البابا فرنسيس هي المشهد غير المسبوق في تاريخ البشريّة الذي نعيشه اليوم والذي يصفه لا بمرحلة تغيرات بل بتغيُّر مرحلة.

 

 

 

وأضاف قداسته أنّ أبرز ما يميّز هذا التغيّر هو أزمة الديمقراطيّة الليبراليّة، والتي هي نتاج التغيّر البشريّ والأنثروبولوجيّ ثمرة عولمة اللامبالاة. وتحدّث البابا هنا عن أصنام جديدة مثل الخوف والأمن والتي تظهر بشكلٍ واضح في اعتياد كثيرين على استخدام السّلاح وثقافة الازدراء، فيما وصفه مؤرخ معاصر شهير بعصر الغضب. وتابع قداسة البابا أنّ الخوف هو الوسيلة المستخدمة للتلاعب بالحضارات وسبب معاداة الأجانب والعنصريّة. وأضاف أنّ الحركات الشعبيّة يمكنها أن تكون مصدر طاقة أخلاقيّة من أجل إنعاش ديمقراطياتنا، ومستودعًا لشغف مدنيّ واهتمام مجّاني بالآخر. وواصل البابا فرنسيس واصفًا الحركات الشعبيّة بتعبير عن كون قوّة الـ"نحن" الرّد على ثقافة الـ"أنا" التي تسعى فقط إلى إرضاء المصالح الخاصّة، وذلك من خلال تغذية هذه الحركات الحلم بعالم مختلف، أكثر إنسانيّة.

 

 

 

 

 

 

تحدّث الأب الأقدس بعد ذلك عن نموّ اللّامساواة في عالم اليوم، وذلك لا فقط على الصعيد الاقتصاديّ بل وأيضًا الاجتماعيّ وفي مجال العلاقات، وأضاف أنّ هذا هو أحد أخطر التحديات التي على البشريّة مواجهتها خلال العقود القادمة. وهذه اللّامساواة هي ثمرة اقتصاد يزداد انفصالاً عن الأخلاقيّات، اقتصاد يضع الأولويّة للربح ويشجِّع المنافسة، ما يقود إلى تمركز السّلطة والثراء واستبعاد آلاف الملايين من الرِّجال والنساء. وأمام كون حاضر ملايين الأشخاص اليوم هو سجن يهيمن عليه الفقر وعدم توفّر العمل وفي المقام الأوَّل غياب المستقبل، فإنّ الحركات الشعبيّة تمثّل مقاومة فعّالة وشعبيّة وتكشف بخبرتها أنَّ التنافس والحسد والقمع ليست بالضرورة عوامل نموّ، بل أن الوفاق والمجانيّة والمساواة يمكنها أن تنَمي إجمالي الناتج المحلّي.      

 

 

 

          

هذا وشدّد البابا فرنسيس في مقدّمة الكتاب حول الحركات الشعبيّة على كون الأرض والسكن والعمل شروطًا أوليّة لديمقراطيّة حقيقيّة. وتوقّف في حديثه عند العمل بشكلٍ خاصّ، وذلك إنطلاقًا من العقيدة الاجتماعيّة للكنيسة، فأشار إلى التغيرات في دنيا العمل في السنوات الأخيرة وتبعاتها الأنثروبولوجيّة. وأضاف قداسته أنّ الحركات الشعبيّة هي شاهد على إمكانية مواجهة ثقافة الإقصاء، التي تعتبر الرِّجال والنساء المرضى والمسنين غير مفيدين بل وضارين للعمليّة الإنتاجيّة، وذلك من خلال خلق أشكال عمل جديدة تقوم على التضامن والبعد الجماعيّ واقتصاد حِرفيّ وشعبيّ. 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.