اثبتوا فيَّ وأنا فيكم «متفرقات

 

 

 

اثبتوا فيَّ وأنا فيكم

 

عن ماذا يحدّثنا يسوع في إنجيل يوحنّا (15/ 1-8)؟ قد تقولون لي الأمر واضح جدًا إنّه يريد التحدّث عن علاقتنا به فيدعونا لكي نثبت فيه فيثبت هو فينا. والثبات، كما هو واضح هنا، عمليّة متبادلة، بالاتّجاهين: «اثبتوا فيَّ وأنا فيكم» الآية 4. وهذا صحيح بدون أيّ شكّ.

 

لكن باعتقادي أنّ يسوع يُريد أن يحدّثنا أوّلًا عن علاقته مع أبيه التي هي أساس كلّ علاقة، فهو ثابت في الله، أبيه السّماويّ، وبالتالي يدعونا على مثاله أن نثبت فيه كما هو ثابت بالآب: «ألا تؤمنون أنيّ في الآب وأنّ الآب فيّ إنّ الكلام الذي أقوله، لا أقوله من عندي، بل الآب المُقيم فيَّ يعمل أعماله» (يو 14: 10).

 

في الواقع على عتبة آلامه يتحدّث يسوع لتلاميذه بهذه الطريقة، بعد أن غسل أرجلهم. في قلب سرّ الفصح. إنّه يستعدّ لكي يُعطي ثمارًا ببقائه أمينًا للرِّسالة التي سلّمه إيّاها الآب. وثمرة شجرة الصَّليب ستكون الإنسان الجديد.

 

فالثبات هو الذي يعطي الثمار، وبالتالي عندما لا يعطي الغصن ثمارًا، فهذا يعني أنّه قد انفصل عن الكرمة. فالفصل ليس نتيجة، بل هو السّبب. فلا يفصل الغصن لأنّه لا يُعطي ثمارًا، بل بالأحرى لكونه انفصل عن المصدر ييبس ويموت وبالتالي يُلقى طبيعيًّا به في النار. إذن ليس لهذا النصّ أيّ بُعد أخلاقيّ إن صحّ التعبير.

 

فليس المطلوب القيام بأعمال حسنة وما شابه، حتّى ولو أنّ رسالة يوحنّا تتحدّث عنها، إنّما المطلوب هو الثبات، البقاء. كيف يمكن أن نفهم معنى الثبات والبقاء؟ كلمات تدعو إلى الجمود «الله مُحيي الثابت» نقول باللغة العاميّة! لكن لا ننسى بالمقابل قول يسوع لنيقوديمس في إنجيل يوحنّا نفسه: «الرّوح لا نعلم من أين يأتي ولا إلى أين يذهب فتلك هي حالة مولود الرّوح».

 

الثبات إذن لا يعني أبدًا الجمود، إنّه الحركة بامتياز، بمعنى أنّ ثباتنا في الله هو حركة مستمرّة لأنّ الله نفسه في حركة مستمرّة، في خروج مستمرّ من ذاته للقائنا وهذا هو جوهر الحبّ. فالحبّ يدفع دائمًا بالإنسان للخروج من ذاته للقاء الآخر، أقلّه للقاء المحبوب.

 

فإذا كان اليبس هو نتيجة الانفصال، فالثمر هو نتيجة الثبات في المسيح. قلت أنّ عمليّة الثبات هي عمليّة متبادلة بين الطرفين. لا يُمكن للمسيح أن يثبت فينا إن لم نثبت نحن فيه. أو بالأحرى هو ثابت فينا منذ البدء، لكن هذا الثبات لا معنى ولا جدوى منه إن لم يقدْنا إلى الثبات فيه. وهذا هو دور الإيمان: «ومَهما سأَلْناه نَنالُه منه لأَنَّنا نَحفَظُ وَصاياه ونَعمَلُ بِما يُرضيه. وَصِيَّتُه هي أَن نُؤمِنَ بِاسمِ ابنِه يَسوعَ المسيح». إيماننا بالمسيح هو عطيّة مجانيّة من الله، إنّه نتيجة إيمان المسيح بأبيه أيّ ثقته بأبيه السماويّ.

 

عندما نقول أنّنا نُخلّص بالإيمان، هذا لا يعني أنّنا نخلّص بإيماننا، فأنا لا أرى كيف يمكن لإيماننا أن يخلّصنا، فنحن نخلّص بإيمان المسيح الذي قاده إلى الصّليب فالموت والقيامة، مصدر خلاصنا.


استقبالنا للإيمان إذن يقودنا إلى الثبات، والثبات يقودنا بدوره إلى أن نعطي ثمارًا. فما هي الثمار التي نحن مدعوّون لأن نعطيها؟ ولمن سنعطيها؟ هل سنقدّمها لله؟ وما الفائدة من ذلك؟ هل هو بحاجة إليها؟ لا أعتقد أبدًا! الثمر الذي سنحمله جميعًا، والذي بفضله سوف نخلص من الموت هو ثمر كرمة أُخرى هي شجرة الصّليب.

 

في الحقيقة الثمار التي نحن مدعوّون لإعطائها، هي بكلّ بساطة ثمار الصَّليب! أيّ الإنسان الجديد، أيّ، أنّ الثمار التي علينا أن نثمرها هي نحن، مولودين لحياة جديدة، حياة الله، ثمرة هذا الثبات والإيمان.

 

يبقى السّؤال كيف يمكن لنا أن نعطي ثمارًا؟ ما الذي يمكننا القيام به لكي نعطي ثمارًا؟ يجيبنا يسوع: «بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئًا». أيّ جواب محبط! إذا كنّا بدونه لا نستطيع أن نفعل شيئًا، فما هو دورنا وما هو معنى حياتنا في هذه الحال؟

 

الحقيقة هي أنَّ ثمار الأغصان التي هي نحن، هي ثمارنا حقيقة وفي الوقت نفسه ثمار المسيح الذي يحملنا ويحوّلنا. هذه الثمار التي نرجوها كثيرًا، مدعوّون أن نكونها نحن عندما نستقبل الابن الذي يحوّلنا فيه. هذه الثمار هي إذن بدون انفصال ثمارنا وثماره هو. ففي المسيح، متنا عن الخطيئة وحاملين حياة جديدة والثمار الوحيدة التي ينتظرها منّا الله هي ثمار عمل الشكر على عطاء الله لنا في المسيح، رجاؤنا.

 

 

 

الأب رامي الياس اليسوعيّ