يسوع رحمة الله «القوت اليومي

 

إنّ الرحمة التّي في السّماء (راجع مز36: 6) هي الرّبّ يسوع المسيح. ما أعذبها! وما أطيبها! بدون أن يسعى إليها أحد، نزلت تلقائيًّا من السّماء وأخلَت ذاتها لترفعنا.

 

لقد ضُرِب ربّنا من أجل أن يشفينا من جراحنا؛ لقد مات لكي يحرّرنا من الموت الأبديّ؛ لقد انحدر إلى مثوى الأموات لكي يعيد إلى السّماء من كان الشّيطان قد سباهم إليه. ضِف على ذلك أنّ الرّب يسوع المسيح قد وعدنا بأنّه سيكون معنا حتّى تمام الأزمنة، كما قال ذلكَ بنفسه في الإنجيل: "هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (مت 28: 20).

 

انظروا إلى طيبته أيّها الإخوة؛ فهو يسكن في السّماء عن يمين الآب، غير أنّه يريد في الوقت نفسه أن يجهد معنا أيضًا على الأرض. معنا، يريد أن يجوع ويعطش؛ معنا، يرغب في أن يتألّم؛ معنا، يريد أن يكون غريبًا، وهو حتَّى لا يأنف بأن يسجن وأن يموت من أجلنا (راجع مت 25: 35 وما يليها)...

 

انظروا ما هي محبَّته لنا: بحنانه غير الموصوف، يريد أن يعاني فينا هذه الآلام كُلّها. نعم، إنّ الرحمة الحقيقيّة التّي في السّماء، أي ربّنا يسوع المسيح، قد خلقكَ وأنتَ لم تكن موجودًا بَعد، بحثَ عنك وأنتَ تائه، اشتراكَ وأنتَ مُباع.

 

إذًا، يا إخوتي، فلنبحث عن الّذي أحبّنا بهذا القدر، نحن الّذين قد بُحِثَ عنّا ووُجِدنا... ما تراني أقول؟ أن نبحث عنه؟ لو إنّنا فقط نستسلم له وندعه يجدنا هو... والآنَ أيضًا، فإنّ الرّب يسوع المسيح يتكرّم ويقدّم ذاته للإنسانيّة؛ ولكن وللأسف، لم يقبل كلُّ البشر أن يفتحوا له أبواب قلوبهم.

 

القدّيس قيصاريوس (٤٧٠ - ٥٤٣)،

راهب وأسقف آرل