نار على الأرض «القوت اليومي

 

نار على الأرض

 

 

قال يسوع لتلاميذه: "جئتُ لأُلْقِيَ على الأرض نارًا، وما أشدّ رغبتي أن تكون قد اشتَعَلَت! وعليّ أن أقبلَ معموديَّةً، وما أشَدَّ ضيقي حتى تتمّ!

 

أتظنّونَ أنيّ جئتُ لِأُحِلَّ السلام في الأرض؟ أقول لكم: لا، بل الانقسام. فيكونُ بعد اليوم خمسَةٌ في بيت واحد منقسمين، ثلاثةٌ منهُم على اثنين واثنان على ثلاثة: سينقسم الناس فيكون الأب على ابنه والابن على أبيه، والأُمُّ على بنيها والبنتُ على أمِّها، والحماة على كَنَّتِها والكَنَّةُ على حماتها." (لوقا ١٢: ٤٩ ـ ٥٣).

 

كم هو جميل أن نسمع من المسيح بذاته لماذا جاء إلينا. نحن نريد أن يعيدنا إلى الفردوس الأبديّ، أن يكلّل بالنجاح حياتنا الإنسانية، أن يضع نفسه في معيار آفاقِنا البشرية الصغيرة.

 

نجعله بخدمتنا دون أن نتبعه، وغالبًا دون الدخول إلى الغاية في مُراد الحب الذي يكُنُّهُ لنا...  أيضًا إنّه لثمين، وثمين جدًا، أن نسمع من يسوع نفسه، لماذا جاء في وسطنا: "جئت لألقي على الأرض نارًا..."

 

 

إنّ المسيح يسلّمنا بذلك، كما يسلّم لِأَصدقاء، مراده الأكثر عمقًا. لقد جاء من عند الآب، وأخذ طبيعتنا، من أجل منحنا هذه النار الروح القدس بذاته، سِرُّ الحبّ الأبدي للآب والابن.

 

 

عند مجيئه على الأرض، ألقى نارًا، ونشرها في قلوبنا: "لأنّ محبّة الله أُفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وُهب لنا" (الرسالة إلى روما ٥: ٥).

 

 

روح الحبّ والحق هذا ينقش ويحفر في قلب اللحم خاصتنا الشريعة الجديدة، شريعة الإنجيل. ورغبة المسيح هي أنّ هذه النار، التي تجعل من قلبنا البشري الذي من لحم أتّونًا متأجّجًا من الحب يُشعلنا: "وما أشدّ رغبتي أن تكون قد اشتعلت. وما هي رغبتي إلّا أن تشتعل؟".

 

بواسطة الصليب، بتقدمة ذاته ذبيحة حبّ، بالتسليم دون رجوع، بعث إلينا المسيح الروح القدس، البارقليط:" فما أولى دم المسيح، الذي قرّب نفسه إلى الله بروح أزليّ قربانًا لا عيب فيه" (عبرانيين ٩: ١٤).

 

 

أمام فتور البشر، أمام رفضهم ومخاوفهم وكبريائهم،، يسلّم يسوع ذاته، ويغطس، من أجلهم، بمعمودية الآلام الدم.

 

 من النزاع إلى القبر، أهلك ذاته في الحب لتمجيد الآب ولخلاص البشر القساة من جرّاء رفضهم الحبّ، المشلولين من جرّاء مخاوفهم، العميان بمشاريعهم ذات المدى القصير.

 

 

"هذا الذي جاء بسبيل الماء والدم يسوع المسيح. لا بسبيل الماء وحده، بل بسبيل الماء والدم. والروح يشهد، لأنّ الروح هو الحقّ. والَّذين يشهدون ثلاثة: الروح والماء والدم، وهؤلاء الثلاثة متّفقون." (رسالة يوحنا الأولى ٥: ٦ ـ ٨).

 

أمام الحبّ المطلق الذي كُشف وسُلّم من قلب المسيح الجريح، تسقُطُ جميع تسوياتنا... يُجري البارقليط عملية تمييز جذري.  تحت تأثير حبّه، في نوره، نحن مدعوون لاختيار المسيح وحبّه، أن نترك نفوسنا تشتعل دون تسويات أو العودة إلى الوراء، لتسليم ذواتنا بواسطة القديسة مريم وبها.

 

إنّه في هذه النار حُملت مريم التي حُبل بها بلا دنس إلى السماء، بروحها وجسدها. مشتعلة بالروح القدس، تعطينا إيّاه بشكل أمومي وتولدنا به لكي نجعل من حياتنا تقدمة حبّ أبدية.

 

 

بقلم الأخ Marie - Dominique Goutierre