محبُ الصلاحِ هو الذي يحتملُ البلايا بفرحٍ. «القوت اليومي

اصطلح أنت مع نفسِك فتصطلح معك السماءُ والأرضُ.

 

محبُ الصلاحِ هو الذي يحتملُ البلايا بفرحٍ. استر على الخاطئ من غير أن تَنْفِر منه لكي ما تحملك رحمةُ الربِّ. سند الضعفاء وعزِّ صغيري النفوس كي ما تسندَك اليمينُ التي تحملُ الكلَّ. شارك الحزانى بتوجعِ قلبِك كي يُفتح بابُ الرحمةِ لصلاتِك. دع الصغارَ تنال الكبارَ.

 

كن ميتًا بالحياةِ لا حيًّا بالموتِ. لا تطلب الأمورَ الحقيرةَ من العظيمِ القادرِ على كلِّ شيءٍ لئلا تهينَه. اسأل المواهبَ الكريمةَ من الله فيُنعم عليك بها.  لقد سأل سليمان من الله الحكمةَ فأعطاه معها الغنى ودوامَ السلامةِ، وسأل إسرائيل الحقيرات فرُذل لأنه ترك تمجيدَ عجائبِ الله وطلب شهوةَبطنِهِ، وإذ الطعامُ في أفواهِهم أتى رِجزُ الله عليهم كما هو مكتوبٌ.

 

اطلب من الله ما يلائم مجدَه لتكونَ كريمًا عنده، ولا تسأل الأرضيات من السمائي فقد كُتب اطلبوا ملكوتَ الله وبرَّه وهذا كلُّه تزدادونه. لا تسأل أن تجري الأمورُ حسب هواك لأنه أعرف منك بالأصلحِ لك. لا تكره الشدائدَ فباحتمالها تنال الكرامةَ وبها تقترب إلى الله، لأن النياحَ الإلهي كائنٌ داخلها.

 

قبل البلايا يُصلِّي الإنسانُ للهِ كغريبٍ، فإذا قبِلها من أجلِ حبِ الله، حينئذ يصيرُ من أحبائِه وخواصهِ المحاربين لعدوه حبًا  في رضاه، ويُصبح كمن وجب حقهُ عليه. توكَّل على اللهِ وسلِّم نفسَك له وادخل من البابِ الضيقِ وسِر في الطريقِ الكربةِ. 

 

فذاك الذي كان مع يوسف ونجاه من الزانيةِ وجعله شاهدًا للعفةِ ، والذي كان مع دانيال في الجبِّ ونجاه من الأسودِ، والذي كان مع الفتيةِ ونجاهم من أتونِ النارِ، والذي كان مع إرميا وأصعده من جبِّ الحمأةِ، والذي كان مع بطرس وأخرجه من السجنِ، والذي كان مع بولس وخلَّصه من مجامعِ اليهودِ وبالجملةِ فإن الذي كان في كلِّ زمانٍ وفي كلِّ مكانٍ مع عبيدِهِ في شدائدهم ونجاهم وأظهرَ فيهم قوَّته، هو يكونُ معك ويحفظك.

 

فخذ لك يا حبيب غيرةَ الأنبياءِ والرسلِ والشهداءِ والقديسين قبالة الأعداءِ الخفيين، واقتنِ غيرةَ الذين ثبتوا قائمين في النواميسِ الإلهية، فطرحوا الدنيا وأجسادَهم إلى ورائهم وتمسكوا بالحقِّ فلم يُهزموا في الشدائدِ التي انتابتهم في أنفسِهم وأجسادِهم، إذ فازوا بالقوةِ الإلهية وكُتبوا في سفرِ الحياةِ، وأُعدت لهم ملكوتُ السماوات التي نؤهَّل لها كلُّنا برأفتِهِ وتحننهِ تعالى. له المجد إلى الأبد، آمين

 

القديس اسحق السرياني

       

بستان الرهبان

الجزء الأول