«فآمَنَ مِنهُم عَدَدٌ أَكبَرُ كَثيراً عن كلامِه» «القوت اليومي

 

 

«فآمَنَ مِنهُم عَدَدٌ أَكبَرُ كَثيراً عن كلامِه» (يو 4: 41)

 

 

إن كمال الإيمان الّذي يحقّقه الرّب يسوع، له عنصر آخر أساسي. فالمسيح في الإيمان، ليس مجرّد مَن نؤمن به – أي الظّهور الأكبر لمحبّة الله – إنّما أيضًا هو من نتّحد به كي نتمكّن من أن نؤمن. فالإيمان لا ينظر فقط نحو الرّب يسوع، إنّما يرى من وجهة نظر الرّب يسوع وبعينيه كذلك؛ إنّه مشاركة في طريقة الرّب يسوع لرؤية الأمور. ففي مجالات عديدة من مجالات الحياة، نحن نثق في وجهة نظر أناس آخرين لديهم معرفة أكثر منّا. إذ إنّنا نثق بالمهندس المعماريّ الّذي يبني بيتنا، وبالصّيدليّ الّذي يعطينا الدّواء للشفاء، وبالمحامي الّذي يدافع عنّا أمام المحكمة.

 

لذلك، نحن بحاجة أيضَا إلى أحدٍ ما يمكن الوثوق به ويكون خبيرًا في الأمور المتعلّقة بالله. إن الرّب يسوع، ابن الله، يقدّم نفسه على أنّه هو من "يخبرنا عن الله" (يو 1: 18). إن حياة الرّب يسوع المسيح، وطريقة معرفته بالآب، وعيشه بعلاقة دائمة وكاملة معه، تفتح مجالاً واسعًا للخبرة البشريّة حيث يمكننا المشاركة بها.

لقد عبّر القدّيس يوحنّا عن أهمّية العلاقة الشّخصية مع الرّب يسوع بالنّسبة لإيماننا عبر استخدامه المتعدّد لفعل "آمَن". فبالإضافة إلى عبارة "الإيمان بِأَنِّ" ما يقوله الرّب يسوع هو الحقيقة (يو 14: 10 و20: 31) يستعمل يوحنّا تعبير "الإيمان بـ" يسوع و"الإيمان في" يسوع. "إنّنا نؤمن بـ" يسوع عندما نقبل كلامه وشهادته لأنّه صادق (يو 6: 30). "ونؤمن في" يسوع حين نستقبله شخصيًّا في حياتنا ونسلّم ذواتنا إليه، ملتصقين به في المحبّة ومتّبعين إيّاه في الطّريق الطّويل. (راجع يو 2: 11، 6: 47، 12: 44).

إن ابن الله قد تجسّد لكي يسمح لنا أن نعرفه ونستقبله ونتبعه، وهكذا فإنّ رؤيته للآب قد تمّت بطريقة بشرية أيضًا عبر مسيرة... في الزّمن. إن الإيمان بابن الله الّذي تجسّد في يسوع النّاصريّ، لا يفصلنا عن الواقع إنّما يسمح لنا باستقبال معناه الأعمق، وباكتشاف كم هو مقدار محبّة الله لهذا العالم وكيف يوجّهه باستمرار نحوه. أن ما سبق يحمل المسيحي على الالتزام وعلى عيش مسيرته على الأرض بطريقة أعمق.

 

 

البابا فرنسيس
الرّسالة العامّة  "نور الإيمان (Lumen fidei)"، العدد 18