«اليَومَ يُطرَدُ سَيِّدُ هذا العالَمِ إِلى الخارِج» (يو 12: 31) «القوت اليومي

«اليَومَ يُطرَدُ سَيِّدُ هذا العالَمِ إِلى الخارِج» (يو 12: 31)

 

 

كانت معجزات الرّب يسوع المسيح مرتّبة لإظهار ألوهيته؛ إنّما كان يجب أن تبقى خفيّة عن الشياطين وإلاّ أُعيق إتمام سر الفداء: "ولَو عَرَفوه، لَما صَلَبوا رَبَّ المَجْد" (1كور 2: 8). ولهذا السبب ربّما لم يرد الرّب يسوع أن يفعل معجزات تطال الشياطين... مع أن النبي زكريا تنبأ بهذه الآيات قائلاً: "ويَكونُ في ذلك اليَوم، يَقولُ رَبُّ القُوَّات، أَنِّي... أُزيلُ الرُّوحَ النَّجِسَ عنِ الأَرض" (زك 13: 2).

 

في الواقع، أتت معجزات الرب يسوع المسيح في خدمة الإيمان الذي علّمه. والحال هذه، ألم يكن الأجدى به أن يزيل بقدرته الإلهيَّة قوة الشياطين من الأشخاص الذين سيؤمنون به بحسب قول القديس يوحنا: " الَيومَ دَينونَةُ هذا العالَم. اليَومَ يُطرَدُ سَيِّدُ هذا العالَمِ إِلى الخارِج"؟ (يو 12: 31). كان يحسن إذًا أن يقوم الرّب يسوع المسيح، من خلال معجزاته، بتحرير بعض الناس من الشياطين التي كانت تمتلكهم...

 

كتب القديس أوغسطينوس: "لقد كشف الرّب يسوع المسيح عن ذاته للشياطين بقدر ما أراد، وأراد ذلك بقدر ما كان يجب أن يفعل... فأعطى مدلولات حسيَّة على قدرته". ومن خلال رؤية معجزاته توصل الشيطان إلى الاعتقاد من طريق التخمين بأن الرّب يسوع المسيح هو ابن الله: " وكانَتِ الشَّيَاطينُ أَيضاً تَخرُجُ مِن أُناسٍ كَثيرينَ وهِي تَصيح: أَنتَ ابنُ الله! فكانَ يَنتَهِرُها ولا يَدَعُها تَتكلَّم، لِأَنَّها عَرَفَت أَنَّه الـمَسيح" على ما يقول القدّيس لوقا (لو 4: 41).

 

يقول القدّيس بيدُس: "إذا اعترف الشّياطين بأنه ابن الله فإنّ ذلك كان من طريق التخمين وليس من طريق اليقين". أما المعجزات التي قام بها الرّب يسوع المسيح بطرد الشياطين، فإنّه لم يقم بها لمساعدتهم بل لمساعدة البشر في تمجيد الله. ولهذا السبب، مَنَعَ الشياطين من التحدث بما يتعلق بالثناء عليه. ويلاحظ القديس يوحنا الذهبي الفم: "لا يحسن أن ينتحل الشياطين دور الرسل المجيد أو أن يُبشر لسان كاذب بسرّ الرّب يسوع المسيح".

 

القدّيس توما الأكوينيّ (1225 - 1274)،

لاهوتيّ دومينكيّ وملفان الكنيسة