«إِن عَطِشَ أَحَدٌ فليُقبِلْ إِلَيَّ » «القوت اليومي

 

«إِن عَطِشَ أَحَدٌ فليُقبِلْ إِلَيَّ »

 

 

أيّها الإخوة الأحبّاء، إن ظمئت نفسكم إلى الينبوع الإلهي الذي كلّمتكم عنه، أجِّجوا هذا الظمأ ولا تُخمدوه البتّة. اشربوا، لكن لا ترتوَوا. لأنّ الينبوع الحيّ دعانا ونبع الحياة قال لنا: "إِن عَطِشَ أَحَدٌ فليُقبِلْ إِلَيَّ ومَن آمنَ بي فَلْيَشَربْ"  ...

 

انظروا من أين يتدفّق هذا الينبوع: يأتي من نفس المكان الذي نزل منه الخبز؛ لأنّ الخبز والينبوع هما واحد: الابن الوحيد، إلهنا، ربّنا يسوع المسيح، الذي ينبغي بنا أن نظمأ إليه دائمًا.

 

حتّى وإن كنّا نأكله ونلتهمه بحبّنا، غير أن توقنا يمنحنا الظمأ إليه. كمياه الينبوع، لنشربه بدون توقّف بحبٍّ لا محدود، لنشربه بنهمٍ شديد، ولنستلذّ بمذاقه الرقيق. لأنّ الربّ لطيف وطيّب.

 

إن أكلناه أو شربناه، نجد ذاتنا دومًا جياع وعطاش إليه، لأنّه لنا طعامًا وشرابًا لا ينضب إطلاقًا... هو في الواقع نبع العطاش وليس نبع المكتفين. فهو قد دعا العطاش الذين أُعلنت لهم الطوبى في مكان آخر (مت 5: 6): إنّهم الذين لا يكتفون البتّة من الشراب، وبالأحرى أولئك الذين يزيد ظمأهم كلّما شربوا.

 

أيّها الإخوة، "أَصْلُ الحِكْمَةِ، كَلِمَةُ اللهِ في السَّمَاء" (سي 1: 5)، ابتغوها، وابحثوا عنها، وأحبّوها: ففيها تختبئ، كما قال الرسول بولس، "جَميعُ كُنوزِ الحِكمَةِ والمَعرِفَة" (كول 2: 3)...

 

إنْ كنت عطشانًا، اشرب من ينبوع الحياة؛ إذا كنت جائعًا، كُل خبز الحياة. طوبى للذين يجوعون إلى هذا الخبز ويعطشون إلى هذا الينبوع! ... كم هو حسنٌ، ما نقدر أن نتذوّقه باستمرار بدون التوقّف عن ابتغائه! ففيه قال داود الملك: "ذوقوا واْنظروا ما أَطيَبَ الرَّبَّ" (مز 34[33]: 9).  

 

 

القدّيس كولومبانُس (563 - 615)​