أيُّ مجدٍ نِلتَه يا صليب! «القوت اليومي

أنظر، يا أخي ، إسحق الحقيقيّ حاملاً الصليب، حطب الذبيحة، ونار الحب في قلبه. أنظر هابيل الحقيقيّ، يُخرجه أخوه إلى البريّة ليقتله.

أنظر داود الحقيقيّ الذاهب إلى جُليات ليصرعه بخشب صليبه.

قد حُتّم على ابن آدم ألا يبلغ غايتُه القصوى، إلا باجتيازه عالماً حافلاً بالمشقّات و الآلام والبلايا، حاملاً خشبة صليبه من مهده إلى لحدِه.

غير أنّ حملَ الصّليب نوعان: صليب يُحمل على الكتف بطيبة نفسٍ، فيصير بصاحبه إلى غايته بقدمٍ سريعةٍ، ومع توالي الأيّام يستحيل التّعب إلى راحة، وصليب يُجرّ جرّاً وإجباراً، فتزيد صدماته على صاحبه ألماً وثقلاً. والمسيحي الصالح هو من حملَ صليبه أسوةً بمعلّمه الإلهي، وتبعَه طول حياته.

وأنت يا صليبُ، أيّ مجدٍ نلتهُ عندما مسستَ ابن الله.

لا يعلو شرفٌ فوق هذا.

أصبحتَ أثمن من الذهب.

ما عدتَ آلة التّعساء، بل انتصار القديسين.

كم من قبلةٍ قبّلكَ؟           

لم تبقَ خشب الإحتقار، ولا خشباً يابساً عميقاً وملعوناً، بل أصبحتَ ذا معجزاتٍ أكثر من عصا موسى وهارون، وشجرةً مملوءةً أوراقاً وزهوراً وأثماراً: أوراقٌ لتغطّي عار آدم الأوّل، الإنسان العتيق، وزهورٌ لتكلّلَ المنتصرين على الخطيئة، وأثمارٌ لتُشبعَ الجياع إلى البرّ.

أنتَ فُلكُ نوح، وسُلّمُ يعقوب المؤدّي إلى السّماء رأساً، وعصا موسى الّتي شقّت البحر، والخشب الّذي أحالَ مرارة الماء إلى حلاوة.

                 (من كتابات الطوباوي يعقوب الكبّوشي)