تذكار ميلاد مريم العذراء «الإنجيل

 

 

 

 

 

إنجيل القدّيس لوقا( 8/ 16 -21)

 

 تذكار ميلاد مريم العذراء

 

 

 

قَالَ الرَبُّ يَسُوعُ : «لا أَحَدَ يَشْعَلُ سِرَاجًا، وَيُخْفيِهِ تَحْتَ وِعَاء، أَو يَضَعُهُ تَحْتَ سَرِير، بَلْ يَضَعُهُ عَلى مَنَارَة، لِيَرَى الدَّاخِلُونَ النُّور.

 

فَمَا مِنْ خَفِيٍّ إِلاَّ سَيُظْهَر، وَمَا مِنْ مَكْتُومٍ إِلاَّ سَيُعْلَمُ وَيُعْلَن.

 

تَنَبَّهُوا إِذًا كَيْفَ تَسْمَعُون، لأَنَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يَظُنُّهُ لَهُ».

 

وَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَصِلُوا إِلَيْهِ بِسَبَبِ الجَمْع.

 

وَأَخْبَرُوه: «إِنَّ أُمَّكَ وَإِخْوَتَكَ وَاقِفُونَ في الخَارِجِ يُرِيدُونَ أَنْ يَرَوْك».

 

فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُم: «إِنَّ أُمِّي وَإِخْوَتي هُمْ هؤُلاءِ الَّذينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ وَيَعْمَلُونَ بِهَا».

 

 

تأمّل:

 

حضور المسيح

 

يا إخوتي، والله برحمته أعطانا هذه الخدمة، فلا نتوانى فيها، بل ننبذ كلّ تصرّف خفيّ شائن، ولا نسلك طريق المكر ولا نزوّر كلام الله، بل نظهر الحقّ فيعظم شأننا لدى كلّ ضمير إنسانيّ أمام الله. فإذا كانت بشارتنا محجوبة، فهي محجوبة عن الهالكين، عن غير المؤمنين الذين أعمى إله هذا العالم بصائرهم حتّى لا يشاهدوا النور الذي يضيء لهم، نور البشارة بمجد المسيح الذي هو صورة الله. والله الذي قال: "ليشرق من الظلمة النور" هو الذي أضاء نوره في قلوبنا لتشرق معرفة مجد الله، ذلك المجد الذي على وجه يسوع المسيح.

 

حين نعيّد للقدّيسين، لا نعيّد مولدهم بل موتهم الذي هو ولادتهم إلى السماء. أمّا مريم فنعيّد مولدها لأنّه مقدّس منذ البداية. هي الممتلئة نعمة من حشا أمّها. هي بلا خطيئة منذ الدقيقة الأولى لوجودها في العالم. لهذا، فهي نور منذ بداية حياتها. وستبقى نورًا في انتقالها إلى السماء لكي تكون بجانب ابنها. لهذا تحدّث الإنجيل (لو 8: 16) عن النور الذي أشرق من مريم. وكذلك أخبرنا الرسول عن وجه الله المتجلّي في يسوع الذي أخذ تكاوينه البشريّة من وجه مريم.

 

 

1- إنجيل محجوب

بعد أن بدأ بولس بخدمته مع الفريق الرسوليّ، أحسّ أنّ هذا الإنجيل الذي يكرز به لا يزال مجهولاً لدى الكثيرين. أيكون السبب هو الربّ؟ كلاّ. فقد أرسل تلاميذه إلى العالم كلّه، إلى الخليقة كلّها. في الواقع، النور هو هنا. ولكن إن أعمى الإنسان عينيه وأغلق أُذنيه وقسّى قلبه، لا يمكنه أن يستضيء بالإنجيل. أما هكذا بدا اليهود في خبر الأعمى منذ مولده. فأنّبهم يسوع لعماهم الذي أرادوه مع أنّ الأعمى رأى واكتشف ابن الله وسجد له.

 

من هم الذين لا يرون، أو الذين لا يريدون أن يروا؟ هم الهالكون. اختاروا الهلاك لا الخلاص، مع أنّ الربّ قال لنا: وضعت أمامك الحياة والموت، السعادة والشقاء. فاختار هؤلاء الموت والشقاء. رفضوا أن يؤمنوا. فكانت النتيحة لهم عيشًا في الظلام، ورفضًا للدخول إلى الوليمة، إلى الفرح مع الأب والإخوة، كما كان الأمر بالنسبة إلى الابن الأكبر: "غضب ورفض أن يدخل" (لو 15: 28).

 

 

2- إنجيل كشف في الكنيسة

بعد البشارة بالملكوت بفم يسوع، وبعد حلول الروح القدس يوم العنصرة، لم يعد الإنجيل محجوبًا إلاّ عن الذي أغمض عينه لكي لا يرى. فيسوع جاء أرضنا وأخبرنا عن الآب، هو صورة الله غير المنظور. ومن رآه رأى الآب. ذاك هو الخبر المفرح الذي يحمله الإنجيل. أترى هذا الإنجيل لم يخرج من أورشليم؟ أترى بعض الناس لم يصل إليهم بحيث يسمعون؟ فيجيب الرسول: الجميع سمعوا: "إلى الأرض كلّها وصل صوتهم، وفي أقاصي المسكونة كلامهم".

 

فالإنجيل كُشف للمؤمنين، لأنّهم قبلوا أن يفتحوا قلوبهم لكي يدخلوا في سرّ الله. ما طلبوا الآيات مثل اليهود ووضعوا شروطهم على الله متسائلين: هل الله معنا أم لا؟ فآية الآيات بالنسبة إلينا هي موت المسيح وقيامته، صلبه ومجده. بل لا نحاول أن نلمس جراحه، بل نقتدي بتوما ونسجد قائلين: ربّي وإلهي. والمؤمنون لا يطلبون الحكمة كاليونانيّين الذين يحاولون أن يُدخلوا الله في مقولاتهم ويحصروه في تفكيرهم. حكمتنا غير حكمة البشر. وحكمة البشر جهالة للمؤمنين ولو لم تكن كذلك، لما صلبوا ربّ المجد. لهذا، ما استطاعوا أن يروا مجد الله كما تجلّى على وجه المسيح. لبثوا على هامش الإنجيل فما شابهوا أعمى أريحا الذي كان على قارعة الطريق. ولكن حين دعاه يسوع طرح رداءه عنه وسار وراء يسوع في الطريق.

 

 

3- إنجيل كُشف بيد الرُّسل

الإنجيل هو يسوع. هو شخص يسوع وحياته وأعماله قبل أن يكون كلامًا مدوّنًا في كتاب. هذا الإنجيل يحمل كلمة الحقّ، بعد أن عرفنا أنّ يسوع هو الحقّ وهو الطريق التي تقود إلى الحياة. وهو الراعي الذي يقودنا إلى المراعي الخصبة، إلى أمان الحظيرة بعيدًا عن الذئاب الخاطفة.

 

والرَّسول يبشّر بالإنجيل، ولا يبشّر بنفسه. فإن بشّر بنفسه كان وكيلاً كاذبًا، فأخذ بأساليب العالم بما فيها من دناءة. وحاول أن يخفي الأمور، ساعة كلّ شيء ظاهر. قال يسوع: "ما من خفيّ إلاّ سيظهر". وفي أيّ حال، التخفّي قريب من الكذب، وكأنّ الإيمان هو لنا وحدنا دون سائر الناس.

 

وهذا الإنجيل لا يحمله الرَّسول كلامًا ينقله كالببغاء. هو نور يدخل في القلوب قبل أن نحمله على الشفاه ونوصله إلى الآخرين. فإن لم يكن الرَّسول نورًا منبثقًا من نور يسوع، فكيف يقدر أن يكون نور العالم، كما طلب منه المسيح؟ كيف يقدر أن يكون الملح في الطعام والخمير في العجين؟

 

 

الأب بولس فغالي.