عيد الرسل الاثني عشر «الإنجيل

 

 

إنجيل اليوم ( متى 9/ 36-38)

 

 

36 ورأَى الجُموعَ فأَخذَته الشَّفَقَةُ علَيهم، لأَنَّهم كانوا تَعِبينَ رازِحين، كَغَنَمٍ لا راعيَ لها.

37 فقالَ لِتلاميذِه: "الحَصادُ كثيرٌ ولَكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون.

38 فاسأَلوا رَبّ الحَصادِ أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه".

 

 

كالراعي الصالح، يطوف يسوع في جميع المدن والقرى، يعلن البشارة ويشفي الناس من كلّ مرض وداء. فكلمة يسوع مرتبطة بعمل، ومشاعره تترْجَم في موقف، وحبّه لله يظهر في حبّه للناس. عندما ينظر يسوع إليهم، يفهم أحوالهم وظروفهم، بحلوها ومرّها، يقدّر أفراحهم ويشعر بأحزانهم، يسمع رغبتهم العميقة في الفرح والحياة والكرامة.

 

 

يحتاج الناس إلى أمور كثيرة، فهم يطلبون الأكل والملبس، الصحّة والعلم، الحبّ والسعادة، ولكن أكثر ما يحتاجه الناس هو احتياجهم إلى راع لهم، لذا لمّا رأى يسوع الجموع، امتلأ قلبه بالشفقة عليهم لأنّهم كانوا بائسين مشتّتين مثل غنم لا راعي لها. يحتاج الناس إلى مَن يعطي حياتهم معنى، إلى مَن يقودهم في طريق الفرح والتحرير، إلى مَن يساعدهم على توجيه طاقاتهم وتوحيد قلبهم.

 

 

في حياتنا اليوميّة، أشدّ ما يؤلمنا هو شعورنا بالتشتّت بين واجبات متعدّدة ومتعارضة في أحيان كثيرة، بين أعباء البيت ومشاغل العمل، بين الإهتمام بالأولاد والإعتناء بالأهل، بين متطلّبات الأسرة والخدمة في الكنيسة والمجتمع. ثمّ يأتي إحساسنا بأنّنا غير موفّقين في القيام بهذه الواجبات، ويزداد الأمر سوءًا حين نفكّر في أنّ الله غير راض عنّا وعن حياتنا بسبب تعبنا وتشتّتنا بين أمور كثيرة.

 

 

 

وعندما تزداد وتيرة الأعباء نشعر بالوحدة والغربة - تجاه ذواتنا والآخرين - ولا نعود نفهم أو نرى بوضوح هدف حياتنا وتعبنا وعملنا، ويتملّك بنا الإحباط وعدم الرّضا، ويتسلّل إلى قلبنا اليأس لأنّنا نشعر بأنّ التيّار يجرفنا ولا نعرف كيف نخرج من هذه الدوّامة.

 

 

ولكن إذا شعرنا وسط زحمة حياتنا بيد الراعي الصالح تُمسِك بيَمينِنا، ووَعَيْنا حبَّه الشخصيّ والعميق لنا، وسمعنا صوته يتحدّث في قلبنا، لا نعود نخاف من التشتّت لأنّنا نكون قد وجدنا وسط انشغالاتنا مَن يحبّنا ويرافقنا على طريق حياتنا.

 

محبّة الراعي الصالح تجعلنا نشعر بحضوره في عمق قلبنا، فتساعدنا من جهة على ترتيب أولويّاتنا وتجنُّب ما يبدِّد طاقاتنا في علاقات وطرق خاطئة، وتسمح لنا من جهة أخرى بأن نكتشف كيف أنّ تعدّد أعبائنا ومسؤوليّاتنا يصبّ في نقطة واحدة ويغذّي كياننا، وكيف أنّ الله يحوّل جميع الأشياء - في تعدّدها وتشتّتها وتناقضها - لخير مَن يحبّونه، فيشعرون عندئذ بوحدة القلب الداخليّة التي تجعلهم يبحثون عن الله ويجدونه في كلّ شيء.

 

يطلب الراعي الصالح أن نسأل ربّ الحصاد ليرسل فعلةً إلى حصاده، فحبّ الله للبشر يظهر من خلال كلمات ومواقف وأعمال إنسان لمسته رحمة الله وشفقته. ونعمة الله علينا اليوم هي وجود رعاة بحسب قلبه، يعلنون حبّ الله لكلّ شخص، ويبذلون حياتهم في سبيل الناس، فيقودونهم في طرق يجدون فيها ذواتهم وحريّتها وكرامتَهم.

                                                            

 

 

  الأب نادر ميشيل اليسوعي