السبت الثاني بعد عيد ارتفاع الصليب «الإنجيل

 

 

 

 

 

إنجيل اليوم  (متّى 12/ 43-45)

 

 

43 قال الرّبّ يسوع: "إنّ الرّوح النّجس، إذ خرج من الإنسان، يطوف في أماكن لا ماء فيها، يطلب الرّاحة فلا يجدها.

 

44 حينئذٍ يقول: سأعود إلى بيتي الّذي خرجت منه. ويعود فيجده خاليًا، مكنوسًا، مزيّنًا.

 

45 حينئذٍ يذهب ويجلب معه سبعة أرواحٍ آخرين أكثر منه شرًّا، ويدخلون، ويسكنون في ذلك الإنسان، فتكون حالته الأخيرة أسوأ من حالته الأولى. هكذا سيكون أيضًا لهذا الجيل الشّرّير!".

 

 

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

 

أُعطيَ لهذا النصّ في "الترجمة اللّيتورجيّة"، العنوان التالي "عودة الرّوح النجس"؛ مضمون هذا النصّ تعليميّ، بصيغة العامّ، على أنّ متّى، هنا (45)، يطبّقه على "هذا الجيل الشرّير" (راجع الآية 39).

 

 

 

لدى قراءة هذا النصّ بتمعّن وتفكير، يتنبّه القارئ إلى أفكار هامّة، نبرز منها هنا، المحوريّة التالية.

 

 

قوى الشّر الموجودة في هذا العالم، لا تقيم في أماكن هذا العالم، في الطبيعة وأشيائها، في الجوّ وطباقه وكواكبه، في قلب الأرض وطيّاتها، إذ كلّ هذه تشهد لقدرة الله وجودته غير المتناهية، لخيريّة الله وبهاء وجماله...؛

 

 

تلك القوى تقيم، بالأحرى، في الإنسان عينه، هي الرّوح النجس فيه، وهي النوايا غير الطبيّة في أعماقه، وهي ينبوع الفساد في أفكاره وأقواله وأعماله؛ ويعتبر الرّوح الشرّير أنّ الإنسان، حيث يقيم، هو بيته الخاصّ، فيه وحده يجد الماء والرَّاحة، وأن حقّ ملكيّته له، حقّ ثابت ودائم، بمعنى أنّ هذا الحقّ يخوّله، إذا ما خرج من ذلك البيت، ولاقاه عند عودته إليه، خاليًا ومكنوسًا ومزيّنًا، بأن يستعين بأرواح آخرين أشدّ منه (سبعة)، فيدخلوا جميعًا إلى هذا الإنسان من جديد، ويجعلوا حالته هذه الأخيرة أسوأ من حالته الأولى.

 

 

 

حالة الإنسان، كمسكن للرّوح النجس، هي حالة تعسة، هي حالته كخاطئ؛ كلّ إنسان مدعوّ إلى وعي حالته هذه وعيًا متواصلاً على عدد الأيّام والسَّاعات والدقائق؛ كلّ إنسان مدعوّ أيضًا، إلى وعي معنى حالته هذه: إنّها تعني أنّ الشرّ هو في الإنسان، وأنّ الأعمال الشرّيرة، على أنواعها ودرجاتها، تتمّ في النّاس، وتتبادل فيما بين بعضهم البعض؛ ألا يرى كلُّ منّا هذا التبادل للأعمال الناقصة والشرّيرة، بين أفراد مجتمعه وفئاته، وذلك أثناء قيامهم بتصريف، وبكيفيّة تصريف شؤون حياتهم الزمنيّة؟

 

 

 

أعطي للإنسان، لكلّ إنسان، مجّانًا، القدرة على الخروج من هذه الحالة، حالة الخطيئة، والدّخول في حالة أخرى، هي حالة النعمة، وذلك بالخلاص الذي أقرّه الله الآب للإنسان، بعد أن أخطأ، وأتّمه المسيح المخلّص بحياته وموته وقيامته، ويفعله الرّوح القدس في حياة أبناء الكنيسة وحضورهم الاجتماعيّ.

 

 

هناك إذًا، صراع قائم بين الإنسان، بين كلٍّ منّا، وبين قوى الشرّ الموجودة في هذا العالم، والمقيمة، ليس في الأماكن المقفرة كما اعتقد الأقدمون، بل، بالأحرى، في البشر، وفي معاملتهم المتبادلة والمختصّة بشؤون هذه الحياة الزمنيّة؛ لذلك، نرى أنّ التفاهم المتبادل بين الناس صعب، والمحبّة أصعب، يسوع أعطى هذا المثل ليقول لنا إنّ الإيمان والتوبة عمل مستمّر ومشروع كبير، يتطلّب من كلّ إنسان جهدًا وسهرًا وعناية متواصلة، لئلاّ يتعرّض لفقد ما اكتسب وللوقوع في الأسوأ.

 

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

شرح إجماليّ للآيات (43-45)

 

يقود لنا هذا النصّ مثلاً حول هجمة الرّوح الشرّير، من جديد، على هذا الإنسان، على هذا الجيل، بعد أن شفي وتحرّر في السّابق؛ إنّه يصيّره، من جديد، أكثر شرًّا ممّا كان في السّابق؛ خروج الرّوح النجس من الإنسان لا يتمّ بإرادته، لذلك، يحاول أن يعود؛ والإنسان الذي لا يقيم فيه روح الله، بل يبقي قلبه خاليًا منه، وإن مكنوسًا ومزيّنًا (44)، فكأنّه يستدعي الرّوح النجس، ويجعل عودته أسهل.

 

 

 

الأب توما مهنّا