الخميس العاشر من زمن العنصرة «الإنجيل

 

 

 

 

إنجيل اليوم  ( لو ١٢ /١-٥)

 

 

١ في تلكَ الأثنَاء، احتَشَدَت عَشراتُ الألوفِ من الجموع، حتّى داس بعضُهُم بعضًا، فَبَدَأ يَسوعُ يَقولُ أوّلاً لتلاميذِهِ: "احذَروا لأنفسِكُم من خميرِ الفرِّيسيّين، الَّذي هو الرَّياء.

 

٢ فَمَا مِن مَحجوبٍ إلاّ سيُكشَف، وما مِن خفيٍّ إلاّ سَيعُرَف.

 

٣ لِذلكَ فَكُلُّ ما قُلتُموهُ في الظُّلمَةِ سَيُسمَعُ في النّور، وما تكَلَّمتُم بِهِ هَمْسًا في المَخادِعِ سَيُنادى بِهِ على السُّطوح.

 

٤ وأقولُ لَكُم، يا أحبّائي: لا تَخافوا مِمَّن يَقتلونَ الجَسَد، وبعد ذلِكَ لا يَقدِرونَ أن يَفعَلوا أكثر.

 

٥ بَل أُبَيِّنُ لَكُم مِمَّن تَخافون: خافوا مِمَّن، إذا قَتَل، لَهُ سُلطانٌ أن يُلقِيَ في جَهَنَّم. نَعَم، أقولُ لَكُم، مِن هذا خافوا".

 

 

 

أوّلاً قراءتي للنّصّ

 

 

 يدخل نصّ إنجيل هذا النهار ( لو ١٢/١-٥) تحت العنوان التالي "لا تخافوهم"، المعطى، في "الترجمة اللّيتورجيّة"، للآيات ( ١-١٢)؛ توزّعت هذه الآيات على ثلاثة نصوص، وهذه خصّت، بالتتابع، أيّام الخميس والجمعة والسبت من الأسبوع العاشر من زمن العنصرة؛ النصّ الموازي في متّى جاء تحت الآيات التالية (١٠/٢٦-٣٣؛ ١٩-٢٠).

 

 

 لنصّ هذا النهار، إطار عامّ، احتشاد عشرات الألوف من الجموع حول يسوع؛ وله مضمون مكوّن من أقوال يسوع لتلاميذه، وقد انطوت على تحذيرهم من "خمير" الفرّيسيّين، أي من تعليمهم، الذي هو الرياء أو الكذب، وعلى إعلامهم أنّ كلّ محجوب سيكشف، وكلّ خفيّ سيعرف، وعلى تعليم يدعوهم به إلى الخوف، لا ممّن أو ممّا يقتل الجسد، بل ممّن له سلطان أن يلقي الجسد في جهنّم.

 

 

 

 الرياء نوع من الكذب؛ إنّه يقوم على عدم التطابق بين ما يضمر المتكلّم وبين ما يقول؛ بهذه الكلمة ومعادلتها يختصر يسوع الصفات المشينة التي هي صفات الفرّيسيّين والكتبة؛ وبما أنّ هذا الرياء "خمير"، فإنّه مستشرٍ فيهم  وفي أقوالهم وفي أفعالهم وفي تصرّفاتهم؛ تجدر الملاحظة بأنّ الفيلسوف الألمانيّ، كنْطْ، يعتبر الكذب الخطيئة الأكبر، لأنّه يطال الوعي وينتقصه، هذه الميزة الجوهريّة لدى الإنسان، التي هي بذاتها، قوّة تخاطب وتداخل نفسيّ وذهنّي متبادل بين الناس.

 

 

 

كلّ محجوب سيكشف، وكلّ خفيّ سيعرف. لا يهتّم الناس لهذا التنبيه، لهذه الحقيقة القادمة، لأنّهم يعيشون في الحاضر؛ مع أنّ ميزتهم، ميزتنا  نحن ناس، هي في إمكانيّة العيش في الماضي، وفي المستقبل أيضًا؛ يكفي الإنسان وعي هذا الأمر، حتّى يجعل كلّ محجوب لديه غير مخزٍ، وغير مخجل.

 

 

 

 وينتهي النصّ بوصيّة يسوع إلى تلاميذه، داعيًا إيّاهم: يا أحبّائي، لا تخافوا ممّا يضرّ بالجسد، أي بوجودكم الزمنيّ؛ لا تخافوا الناس المضطهدين (والكنيسة الناشئة كانت في مواجهة الاضطهاد)؛ لا تخافوا حياة التقشّف والحرمان...، بل خافوا اللّه الذي له السلطان أن  يلقي في جهنّم؛ نعم، أقول لكم من هذا خافوا، أي من الخطيئة التي تقود الخاطئ إلى الهلاك.

 

 

 

ثانيًا  "قراءة رعائيّة"

 

 

 أعطي للآيات (١-١٢)، من الفضل ١٢، العنوان التالي "الصدق وعدم الرياء"؛ في هذه الآيات، يطلب يسوع من تلاميذه جهادًا في سبيل الملكوت؛ ويعدهم بقوّة روحيّة تساعدهم على الثبات، لكي يظلّوا أمناء، حتّى في حال تهدّدت حياتهم البشريّة.

 

 

 يحذّر يسوع تلاميذه وينبهّهم من "الخمير العتيق" الذي هو ينبوع النجاسة والفساد (كما جاء في ١ قور ٥/٦-٨)، والذي يدّل، هنا، على استعدادات سيّئة لدى الفرّيسيّين، لئلاّ تصل إليهم عدواه القتّالة؛ يطلب يسوع من تلميذه والمؤمن به أن يقول الحقّ، دون مواربة، ودون الاهتمام برأي الناس.

 

 

الآيتان (٢-٣)

 

 كان صوت التلاميذ خافتًا قبل العنصرة، لكنّه انطلق بعدها وفي زمن الكنيسة ؛ أمّا متّى (في ١٠/٢٧)، فإنّه يقابل بين كلام يسوع "في الظلمة"، وكرازة التلاميذ العلنيّة، "على السطوح".

 

 

الآية (٥)

 

 اللّه وحده يمتلك السلطان أن يلقي في جهنمّ؛ لهذا السبب، يطلب يسوع من المؤمن ألاّ يخاف إلاّ اللّه، ولكن خوفه، بنظر لوقا، هو خوف الأبناء، لا خوف العبيد ( راجع ١/٥٠؛ ١٨/٢، ٤؛٢٣/٤٠). 

 

 

الأب توما مهنّا