الخميس الثالث بعد الدنح «الإنجيل

 

 

 

إنجيل اليوم  (يو 9: 26 - 41)

 

 

 

26 قالَ الفَرِّيسِيُّونَ لِلَّذي كانَ أعمى: "ومَاذا صَنَعَ لكَ؟ وكَيفَ فَتَحَ عَينَيك؟".

 

27 أَجَابَهُم: "قُلتُ لَكُم ومَا سَمِعْتُم لي، فلِماذا تُريدونَ أن تَسمَعُوا مَرَّةً ثانِيَة؟ ألَعَلَّكُم تُرِيدُونَ أنتُم أيضًا أن تَصِيروا لَهُ تَلاميذ؟".

 

28 فشَتَمُوهُ وقالُوا: "أنتَ تِلميذُهُ! أمَّا نَحنُ فَتَلاميذُ مُوسَى!

 

29 نَحنُ نَعلَمُ أنَّ اللهَ كَلَّمَ مُوسَى، أمَّا هذا فَلا نَعلَمُ مِن أينَ هُو!".

 

30 أجَابَ الرَّجُلُ وقَالَ لَهُم: "عَجَبًا أَنَّكُم لا تَعلَمُونَ مِن أَينَ هُو، وقَد فتَحَ عَينَيَّ!

 

31 نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ اللهَ لا يَسمَعُ لِلخَطَأة، بَل يَسمَعُ لِمَن يَتَّقِيهِ ويَعمَلُ مَشيئتَهُ.

 

32 لَمْ يُسمَعْ يَومًا أنَّ أحَدًا فتَحَ عَينَي مَن وُلِدَ أَعمَى.

 

33 فلَو لَم يَكُنْ هذا الرَّجُلُ مِن عِندِ الله، لَمَا استَطاعَ أن يَعمَلَ شَيئًا".

 

34 أَجَابُوا وقَالُوا لَهُ: "أنتَ كُلُّكَ وُلِدتَ في الخَطايا، وتُعَلِّمُنا؟". ثُمَّ طَردُوهُ خَارِجًا.

 

35 وسَمِعَ يَسُوعُ أنَّهُم طَرَدُوه، فَلَقِيَه وقالَ له: أَتُؤْمِنُ أَنتَ بِابنِ الإنسَان؟".

 

36 أَجَابَ وقَال: "ومَن هُوَ يَا سَيِّد، فأُؤمِنَ به؟".

 

37 قالَ لَهُ يَسُوع: "لقَد رَأَيتَهُ، وهُو الَّذي يُكلِّمُكَ".

38 فقال: "أنَا أُؤْمِن، يَا رَبّ". وسجَدَ لهُ.

 

39 فَقَالَ يَسُوع: "جِئتُ إلى هذا العَالَم لِلدَّينونَة، لِيُبصِرَ الَّذينَ لا يُبصِرُون، ويَعمَى الَّذينَ يُبْصِرُون".

 

40 سَمِعَ هذا الكَلامَ بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ الَّذينَ كَانوا مَعَهُ، فقالُوا لَهُ: "وهَل نَحنُ أيضًا عُميَان؟".

 

41 قَالَ لَهُم يَسُوع: "لَو كُنتُم عُميَانًا لَمَا كانَت عَلَيكُم خَطيئَة. وَلَكِن مَا دُمتُم تَقولُونَ إِنَّنا نُبصِر، فخَطيئَتُكُم ثابِتَة".

 

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

 

دعا الفرّيسيّون، ثانيةً، الأعمى - المُبصِر إليهم، وأعادوا طرح السؤال ذاته عليه: "مذا صنع لك يسوع؟ وكيف فتح عينيك؟".

 

 

 ما جعل الأعمى - المُبصر ينتقل من موقف المجيب، إلى موقف الساءل أوّلاً: "لماذا تريدون أن تسمعوا مرّةً ثانية؟" تفاصيل الشفاء، التي لا يتطلّب إدراكها أكثر من سماعها مرّةً واحدة؟! وإلى موقف المستفهم والمستنتج؛ ثانيًا: "ألعلّكم تريدون أيضًا أن تصيروا له تلاميذ؟"، وكأنّه يقول لهم: عليكم الآن، بعد أن اطّلعتم على الشفاء وكيفيّة حدوثه وتأكّدتم من ذلك، أن تقوموا بخطوة ثانية، أن تصيروا تلاميذ لذاك الذي صنع ذلك وفتح عينيّ!

 

 

اعتبر الفرّيسيّون استنتاج الأعمى هذا اتّهامًا مشينًا لهم بالتتلمذ ليسوع، فأسرعوا إلى الإعلان عن تتلمذهم لموسى، وعن تمسّكهم الشديد بهذا التتلمذ المبنيّ على معرفتهم الأكيدة بأنّ الله قد كلّم موسى! وهكذا غيّبوا أعجوبة الشفاء، كغيرها من أعمال يسوع العجيبة، وحالوا بقولهم: "أمّا هذا، أي يسوع، فلا نعلم من أين هو!"، دون فعلها فيهم، ودون رؤية ما تثبته على ضوء ما عَلَّمَت كتُبهم ذاتها، وما يعرفه الأعمى - المُبصِر من ذلك التعليم، وهو أنّ الله لا يسمع للخطأة، بل يسمع لمَن يتّقيه ويعمل مشيئته، وأن لا أحد يمكنه أن يفتح عيني مَن وُلِدَ أعمى إلاّ إذا كان من عند الله!

 

 

فجاءت ردّة فعل الفرّيسيّين على الأعمى - المُبصِر، وعلى منطقه الواضح والصريح، وعلى تساؤله من موقفهم، بالشتم وباتّهامه، هو، بالتتلمذ ليسوع، وبالحكم عليه بأنّه مجبول بالخطايا: "أنت كلّك وُلِدتَ في الخطايا"، وبسوء التصرّف معهم، بجسارة مرفوضة، قائلين: "وتُعَلِّمُنا؟"...؛ ما أدّى حتمًا إلى فصله عنهم، عن الجماعة اليهوديّة، وطردوه إلى الخارج.

 

 

 

ما إنْ سمع يسوع بحدث طرد الفرّيسيّين للأعمى - المُبصِر، حتّى لقيه، وتبادل معه حديثًا على مستوى الإيمان؛ وهكذا حضّره أكثر فأكثر لتقبُّل نور الإيمان به، هذه المرّة، هو "ابن الإنسان"، وللتعبير عن إيمانه هذا بقوله: "أنا أؤمن، يا ربّ"، وبالسجود له.

 

 

 

ويختم الإنجيليّ يوحنّا، الفصل التاسع من إنجيله، فصل شفاء الأعمى، بإعلان يسوع عن أنّ المهمّة التي جاء من أجلها إلى هذا العالم، والتي تتجلّى، خلال حياته الزمنيّة، في إعطائه "البصر" لِلَّذين يشعرون بالحاجة إليه، ويفتّشون عنه، سوف تكون، في النهاية، لدينونة الناس الذين يتميّزون، عندئذٍ وبالضرورة، إلى مُبصِرين، متحرّرين من خطيئتهم، ومشاركين في حياة أبديّة، وإلى عميان، رافضين لتلك المهمّة الخلاصيّة، وثابتين في خطيئتهم، التي تحول دون مشاركتهم في تلك الحياة الأبديّة.

 

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

 

الآيتان (27 - 28)

 

 

دلَّ كلام الأعمى - المُبصِر على أنّه من تلاميذ يسوع، تجاه الفرِّيسيّين الذين أعلنوا أنّهم تلاميذ موسى؛ أمّا المسيحيّون فيرون في يسوع، حاملَ الوحي التامّ والنهائيّ، والمتفوّق على موسى بشكل هو فوق وأبعد من كلّ حدّ (راجع 6: 32).

 

 

 الآيات (30 - 33)

 

 

نقرأ في هذه الآيات برهانًا يتقدّم به الأعمى - المُبصِر، وهو رجل بسيط، ويتغلّب به على العلماء والفهماء (راجع متّى 11: 25).

 

 

 الآيتان (33 - 34)

 

 

في مسيرة الأعمى - المُبصِر، جاءت الخطوة الأولى في الآية 17؛ وجاءت الخطوة الثانية في قوله: "فلو لم يكن هذا الرجل..."، جاعلاً هكذا يسوع فوق جميع رجال الله في أرض إسرائيل؛ وجاءت الخطوة الثالثة في نتيجة هذه الشهادة التي أدّاها ليسوع، وهي طرده من المجمع وتعريض ذاته للإضطهاد؛ ذاك كان أيضًا وضع كنيسة يوحنّا (راجع 15: 1 - 16: 4).

 

 

 

 شرح عبارات وكلمات

 

 

 

 مَن وُلِدَ أعمى (32)

 

 

يمكن أن يشفى إنسان أُصِيب بالعمى (طو 7: 3؛ 11: 7 - 13؛ 14: 1)؛ ولكن شفاء مَن وُلِدَ أعمى يُعَدّ معجزة كبيرة؛ وهذا ما يدلّ على أنّ يسوع هو رجل من الله (31).

 

 

فسمع يسوع (35)

 

 

لا شكّ في أنّ يسوع كان يرى الأعمى - المُبصِر، و "المضطهَد" بسببه، ولكنّه بدا بعيدًا عنه؛ هنا يتمّ اللّقاء من جديد، لقاء الأعمى - المُبصِر بابن الإنسان الآتي من السّماء ليجمع البشر.

 

 

ج- يا سيّد (36

 

 

هذا هو اسم المخلّص في الجماعة المسيحيّة بعد قيامته (روم 1: 4).

 

 

د- للدينونة (39)

 

 

يلتقي كلام يسوع هنا مع كلامه في متّى (23): ظنّ الكتبة والفرّيسيّون أنّ لهم النور، ولكنّهم ما استطاعوا أن يروا نور الخلاص، فسجنوا نفوسهم في الظلمة والهلاك (راجع يو 3: 17 - 21).

 

 

                                                                           الأب توما مهنّا