الجمعة الرابعة من الصوم الكبير «الإنجيل

 

إنجيل اليوم  (متّى 9: 27-35)

 

 

27 وفِيمَا يسوعُ مُجتَازٌ مِن هُناك، تَبِعَهُ أَعمَيانِ يَصرُخَانِ ويَقولان: "ارحَمْنَا، يا ابْنَ دَاوُد!"

 

28 ولَمَّا جَاءَ إلى البَيتِ تَقَدَّمَ إليهِ الأَعمَيَان. فقالَ لَهُما يَسُوع: "أَتُؤمِنانِ أَنِّي قادِرٌ أن أفعَلَ هذا؟". قَالا لَهُ: "نَعَمْ، يا رَبّ".

 

29 حِينَئِذٍ لَمَسَ أَعْيُنَهما قائِلًا: "فَلْيَكُنْ لَكُما بِحَسَبِ إِيمانِكُما!".

 

30 فانفَتَحَت أَعينُهُما. وانتَهَرُهُمَا يَسُوعُ قائِلًا: "انظُرَا، لا تُخبِرَا أَحَدًا"

 

31 ولكِنَّهما خَرَجا وَنَشَرا الخَبَر في تِلكَ الأَنحَاءِ كُلَّهَا.

 

32 ولمَّا خَرَجَ الأَعمَيَان، قَدَّمُوا إلَيه ِ مَمسُوسًا أَخرَس.

 

33 وأخرَجَ الشَّيطَانُ فَتَكَلَّمَ الأَخرَس. وَتَعَجَّبَ الجُمُوعُ فَقَالُوا: "لَمْ يُرَ شَيءٌ مِثْلُ هذا في إِسْرَائِيل!"

 

34 أَمَّا الفِرِّيسيُّونَ فَكَانُوا يَقولُون: "إِنَّهُ بِرَئِيسِ الشَّياطِين يُخرِجُ الشَّياطِين".

 

35 وكانَ يسوعُ يَطُوفُ المُدُنَ كُلِّهَا والقُرَى يُعلِّمُ في مَجامِعِهم، ويَكرِز بِإنجِيلِ المَلَكُوت، ويَشفِي الشَّعبَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وكلِّ عِلَّة.

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

 

 أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم عنوانان، الأوّل "شفاء أعميَين" (27- 31)؛ والثاني "شفاء أخرس" (32-34)؛ ولهذا الأخير نصّ موازٍ في لوقا (11: 14-15)؛ وتبقى الآية (35)، المدرجة تحت عنوان ثالث "الحصاد كثير" (35-38)؛ يمكن إعطاء كلّ آيات هذا النصّ عنوانً واحدًا، وهو التالي شفاء أعميَين وأخرس والشعب من كلّ مرض وكلّ علة؛ حول الآية (30)، ورد التعليق التالي، لم يصنع آية حبًّا للظهور؛ وكانت تلك إحدى تجاربه في بدء رسالته العلنيّة، بل صنع كلّ آياته حبًّا للمرضى أنفسهم؛ وبعد شفائهم، كان يحذّرهم من إعلان الخبر، ويختفي عن الأنظار؛ ولكنّنا نرى هنا، أنّ الأعميَين لم يتقيّدا بتحذير يسوع، بل خرجا من البيت، ونشرا خبر شفائهما في تلك الأنحاء كلّها.

 

 

 

 لماذا يا ترى، لم يلبِّ يسوع رأسًا، طلب الأعميَين وصراخهما: "ارحمنا، يا ابن داود"؟ ولماذا أجّل إعطاءهما الشفاء إلى ما بعد وصوله إلى البيت ومجيئهما إليه هناك، وجوابهما "بنعم" على سؤاله لهما: "أتؤمنان أنّي قادر أن أفعل هذا؟" قد يكون الجواب: الإيمان بقدرة يسوع على الشفاء أهمّ من الشفاء عينه، وشرط أساسيّ لحصول هذا الأخير؛ وهنا، تجدر الإشارة إلى أنّ المعطيات التي ترافق الآية، وتكوّن إطارها الواقعيّ، كتوقيت الآية، ومكان إجرائها وكيفيّته، ليست هي ذاتها بالنسبة إلى آيات يسوع، التي كلّ آية منها لها إطارها الخاصّ بها.

 

 

  الآيتان (33-34)

 

يميّز متّى الإنجيليّ  موقفَين متباينَين لدى معايني آيات يسوع وشفاءاته: موقف الجموع، الذين تأثّروا، وعبّروا من تأثيرهم بالتعجّب، وكأنّهم أمام ظاهرة فائقة، إلهيّة، بإعلانهم الشهادة التالية: "لم يُرَ شيء مثل هذا في إسرائيل!"؛ وموقف الفرّيسيّين، الذين تصلّبوا في رفضهم ليسوع ولرسالته، وبرّروا موقفهم هذا بقولهم: "إنّه برئيس الشياطين يخرج الشياطين".

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 المعجزات والشفاءات الكثيرة التي أتاها يسوع، هي علامة مسيحانيّة، تدلّ لدى متّى، على سلطة يسوع، وعلى أنّه هو المسيح المنتظَر.

 

 الآيتان (28-29)

 

استقبل يسوع الأعميَين في البيت (ربّما بيت بطرس)، الذي كان، كالهيكل بالنسبة إلى يسوع وتلاميذه والمؤمنين به؛ وتحاور يسوع معهما، وتوقّف بشكل خاصّ، عند إيمانهما: "أتؤمنان أنّي قادر على أن أفعل هذا؟"؛ وعندما أجابا: "نعم"؛ نالا الشفاء، وصارا مبشِّرين به.

 

 الآيتان (33-34)

 

توزّع المعاينون لآيات يسوع على موقفَين، موقف تعجّب، قريب من الإيمان، من قِبَل الجموع؛ وموقف رفض ليسوع ولرسالته الخلاصيّة، من قِبَل الفرّيسيّين، الذين أعلنوا أنّه يعمل، لا باسم الله، بل باسم الشياطين.

 

 

 الآية (35)

 

هنا، كما في (4: 23-25) مختصر لقسم من نشاط يسوع، فيه أقوال (عظة الجبل)، وأعماله (المعجزات العشرة)؛ وسيبدأ قسم آخر من نشاطه، فيه تعليمات لتلاميذه قبل أن يرسلهم؛ ماذا تضمّنت رسالة يسوع العلنيّة؟ التعليم في المجامع (للجموع)؛ الإعلان عن بشارة الملكوت، لا في مكان أو زمان محدَّد؛ شفاء كلّ مرض، مرض الجسد ومرض الرّوح.

 

 

 شرح عبارات وكلمات

 

 ارحمنا، يا ابن داود (27)

 

في اليونانيّة ارحمنا يا ربّ؛ صارت هذه العبارة صلاةً ليتورجيّة؛ اكتشف الأعميان أنّ يسوع، الذي يجري المعجزات، ويطرد الشياطين، هو ابن داود؛ لم يكتشف ذلك شعب منفتح العينيَين، يسير وراء يسوع، وعلماء شريعة يترقّبون أعمال يسوع وأقواله بهدف الانتقاد.

 

 

 وأخرج الشياطين (33)

 

قديمًا، ارتبطت بالأمراض، حتّى تلك المعروفة اليوم والقابلة للشفاء طبيًّا، بالشيطان؛ لذلك كانت علامة طرد الشيطان وشفاء الأخرس في رؤيته يتكلّم!

 

الأب توما مهنّا