الجمعة الحادية عشرة من زمن العنصرة «الإنجيل

 

 

 

إنجيل اليوم  (لو 12/ 42-48)

 

 

42 قال الرّبّ يسوع: "مَن تراه الوكيل الأمين الحكيم الّذي يقيمه سيّده على خدمه، ليعطيهم حصّتهم من الطّعام في حينها؟

 

43 طوبى لذلك العبد الّذي، متى جاء سيّده، يجده فاعلاً هكذا!

 

44 حقًا أقول لكم: إنّه يقيمه على جميع مقتنياته.

 

45 أمّا إذا قال ذلك العبد في قلبه: سيتأخّر سيّدي في مجيئه، وبدأ يضرب الغلمان والجواري، يأكل ويشرب ويسكر،

 

46 يجيء سيّد ذلك العبد في يومٍ لا ينتظره، وفي ساعةٍ لا يعرفها، فيفصله، ويجعل نصيبه مع الكافرين.

 

47 فذلك العبد الّذي عرف مشيئة سيّده، وما أعدّ شيئًا، ولا عمل بمشيئة سيّده، يضرب ضربًا كثيرًا.

 

48 أمّا العبد الّذي ما عرف مشيئة سيّده، وعمل ما يستوجب الضّرب، فيضرب ضربًا قليلًا. ومَن أعطي كثيرًا يطلب منه الكثير، ومن ائتمن على الكثير يطالب بأكثر".

 

 

أوّلًا "كتاب القراءات"

 

 بما أنّ نصّ إنجيل هذا اليوم هو عينه ليوم أحد الكهنة، نبدأ بإيراد الشرح المعطى له في "كتاب القراءات":

 

 

يشدّد لوقا الإنجيليّ على مكافأة العبد الوكيل الأمين الساهر، في انتظار مجيء الربّ سيّده، وعلى معاقبة العبد الوكيل غير الأمين اللاّهي، الذي يعتقد أنّ مجيء الربّ سيّده يتأخّر موعده؛ يمكن تطبيق هذا النصّ على أصحاب السلطة الكهنوتيّة، لأنّ هذه السلطة، لمجرّد كونها تقوم بإشراك المؤمنين بكلمة الربّ، وبجسده ودمه في الإفخاريستيّة، وبتدبيرهم، فهي تستدعي من أصحابها، الأحبار والكهنة، لحسن القيام بها، الأمانة للرّبّ الذي يوليها؛ وهذه الأمانة تستدعي الحكمة، أي معرفة تدبير اللّه الخلاصيّ، وقراءة إرادته في كلّ شيء؛ فعلى صاحب الدرجات الكهنوتيّة، بصفته "وكيلًا" للسّيّد المسيح، أن يكون "مسيحًا" آخر، وأن يتمّ خدمته الكهنوتيّة، مواصلًا عمل المسيح الخلاصيّ، بالدقّة التي تخوّله القول مع الربّ: "لقد تمّ" ( يو 19/ 30).

 

فمن يهمل ذلك، أو يغفل عنه، ويتلهّى بشتّى أمور هذه الدنيا، يتعرّض لتجربة هذه الدعوة الكبرى، ألا وهي استغلال هذه السلطة والخدمة الكنسيّة من أجل مصالحه الخاصّة؛ يشدّد لوقا أكثر من متّى (24/ 45-51) على المعاقبة المريعة التي تصيب من يعرف مشيئة سيّده، ولا يعمل بها.

 

 

 

 قد يكون من المفيد النظر إلى هذا الموضوع في إطار أخلاقيّ أوسع، وذلك انطلاقًا من السؤال الذي طرحه على يسوع، ومن جواب يسوع عليه؛ قال بطرس: يا ربّ، ألنا تقول هذا المثل ( مثل العبد الأمين)، أم للجميع؟" (41)؛ لم يجب يسوع مباشرة على هذا السؤال، بل أخذ يتكلّم عن "الوكيل الأمين الحكيم" (42)، وعن تصرّفه، الحسن أو السيئ، وعن موقف سيّده منه، في الحالين؛ إليكم بعض الأفكار حول هذه العناوين لاستيضاحها قدر الإمكان.

 

 

 

 كلّ إنسان "وكيل"، أيّ مكلّف بخدمة، حامل رسالة، صاحب دعوة؛ والمطلوب من كلّ إنسان، بصفته "وكيلًا"، أن يجعل الخدمة المكلّف بها، وكأنّها خدمته بالذات، كالذي كلّفه بها، وأن يقوم بهذه الخدمة على أكمل وجه؛ هنا أساس كرامته ومبرّرها، ومجال أفعاله وأعماله، وهدفها الجامع؛ لكلّ إنسان سيّد بالضرورة، هو مصدر الخدمة الموكلة إليه؛ سيّد أسياد الإنسان هو اللّه الخالق والمخلّص؛ وأسياد الإنسان، في حياته الزمنيّة، هم أصحاب السلطة، الكنسيّة والمدنيّة، الذين يخضع لهم.

 

 

 

 وتبقى لدى الإنسان "الوكيل" القدرة (أو الحرّيّة) على أن يتصرّف إمّا بموجب هذه الوكالة، وإمّا بمعزل عنها، وإمّا بعكسها؛ هنا، يطرح موضوع الأمانة والحكمة.

 

يكون الوكيل أمينًا بقدر اهتمامه في جعل أقواله وأفعاله وأعماله، متمّمة لوكالته، ومؤدّية الخدمة "لخدم سيّده"، وهو منهم، وإن سلّط على بعضهم، بتأمين ما يتوجّب لهم لسدّ حاجاتهم، وفي الوقت المناسب؛ ويكون الوكيل الأمين حكيمًا بقدر اهتمامه في معرفة وكالته، أي مشيئة سيّده، في ما يتناول وكالته، أو دعوته الخاصّة، ومشيئة أسياده، في ما يتناول وكالته، أو دعوته الكنسيّة والاجتماعيّة.

 

 

 

ولكنّ الإنسان، بصفته وكيلاً، مكلّفًا بمهمّة أو بخدمة، بحكم دعوته، هو مسؤول بالضرورة، أي مطلوب منه أن يؤدّي حسابًا عن وكالته.

 

هذه هي الدينونة؛ ضمير الإنسان هو سائله الشخصيّ الدائم، والدليل على حقيقة الدينونة، وإن مؤجّلة إلى ما بعد الموت؛ والسلطة الشرعيّة، دينيّة كانت أم مدنيّةً، هي سائله الاجتماعيّ والكنسيّ، عن نتائج أفعاله التي تضرّ بالغير، وبالصالح العامّ؛ واللّه، في النهاية، هو ديّانه العادل، والعارف بكلّ شيء. بما أعطي الإنسان، وبما حقّقه أو لم يحقّقه هذا الإنسان، فيثيبه على ما فعل، وأحسن فعله، ويعاقبه على ما ساء أو أهمل فعله. 

 

 

 

الآية ( 48)

 

 كما يبدأ النصّ بتعليم شامل ومبدئيّ، وهو: "مَن تراه الوكيل الأمين الحكيم"، فإنّه ينتهي، كذلك، بتعليم شامل ومبدئيّ آخر، معادل أو مساوٍ للتّعليم الأوّل، ومعبّر عنه كما أعلاه.

 

 

 

 الذي يعطى مواهب ومؤهّلات، على مستوى الطبيعة والكيان، يطلب منه المتاجرة والربح بالقدر عينه المعطى له. فمَن أعطي خمس وزنات، تاجر وربح خمس وزنات أخريات...؛

 

 

والذي يؤتمن على رسالة أو مهمّة - كالكاهن الموكّل بخدمة يؤدّيها للمؤمنين- يطالب بتأمينها تجاه كثيرين؛ إذن، يطالب بأكثر؛ كيف نفهم هذا القول، وهذا التمييز بين "المعطى" وبين "المؤتمن"؟

 

 

 المعطى، مهما كان، محدودٌ بشخص المعطى له، فلا يخوّل صاحبه الإعطاء أكثر ممّا أعطي. لا يملّك إلاّ المالك! أمّا المؤتمن على مهمّة أو رسالة، فإنّه مطالب بأكثر، لأنّ المهمّة تختصّ بالموكّل أي وفي مجال كلامنا، بالمسيح.

 

فمهمّة الكاهن هي مهمّة المسيح، لا حدود لها... المعطى بئرًا، عطاؤه بالضرورة  محدود بسعة البئر؛ أمّا المؤتمن على نبع، فعطاؤه غير محدود بأيّة كمّيّة...! كذلك، الطبيب يشفي على مقدار تقدّم الطبّ، أمّا القديس، فإنّه يشفي على مقدار إرادة الربّ...!

 

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

 

الوكيل (42)

 

 يجب أن يتحلّى بالأمانة ( راجع 1 قو 4/ 2)، الحكمة في خدمة إخوته، على مثال يوسف بن يعقوب في مصر.

 

 

يفصله (46)

 

 السيّد، عند مجيئه، يفصل الوكيل غير الأمين، ويجعل "نصيبه مع الكافرين" (الترجمة اللّيتورجيّة)، ويجعل "مصيره مع الخائنين" (قراءة رعائيّة).

 

الآيتان (47-48)

 

 قد يكون هذا الكلام موجّهًا إلى المسؤولين في الكنيسة، الّذين سيعاقبون قليلًا أو كثيرًا، حسب المعرفة أو اللّا معرفة، وحسب ما أعطوا من مواهب.

 

 

الأب توما مهنّا