الجمعة التاسعة من زمن العنصرة «الإنجيل

 

 

 

إنجيل اليوم (لو ١١ /٥٢-٥٤)

 

 

 

٥٢ قالَ الرَّبُّ يسوع: "الويل لَكُم، يا علماء التّوراة! لأنّكم حملتم مفتاح المعرفة، فأنتم ما دخلتم، ومنعتم الّذين يدخلون".

٥٣ ولمّا خرج يسوع من هناك، بدأ الكتبة والفرّيسيّون يضمرون له حقدًا شديدًا ، ويستدرجونه إلى الكلام على أمورٍ كثيرة،

٥٤ ويترقّبونه ليصطادوه بكلمةٍ من فمه.

 

 

أوّلاً قراءتي للنّصّ

 

 

 يوجّه يسوع أخيرًا، "الويل" لعلماء التوراة، لأنّهم لم يرتقوا إلى المعرفة المطلوبة منهم، معرفة تصميم الله الخلاصّي من خلال كلامه في التوراة وكتب الأنبياء والمزامير، ومن خلال ما جرى لشعب الله المختار عبر تاريخه...؛ فما دخلوا إذن، إلى فسيح هذه المعرفة الإلهيّة التي اختاروها مجالًا  لاختصاصهم، بل اكتفوا بالتفسيرات التي أعطوها لها، والتي تكثّفت مع الزمن لتحجب الحقيقة؛ وكانت تلك التفسيرات للشّريعة باتّجاه الممارسة أكثر منها باتّجاه المعرفة؛ ثمّ جعلوا ذلك برنامج تعليمهم، فأعطوا هذه المعرفة الناقصة، والمغلوطة أحيانًا، للنّاس، وحالوا هكذا، دون محاولة هؤلاء التفتيش عن المعرفة الحقّة، والدخول في أجوائها الخلاصيّة.

 

 

 جاءت ردّة فعل الفرّيسيّين وعلماء التوراة على "ويلات" يسوع لهم، "حقدًا شديدًا" عليه؛ توَلَّد هذا الحقد في داخلهم، وأخذ يشتدّ يومًا بعد يوم، ويدفعهم إلى مراقبة يسوع، واستدراجه إلى الكلام على أمور كثيرة، بهدف التقاط مأخذ ما عليه في كلامه، فيدينونه عليه.

 

 

  كثيرًا  ما نلجأ إلى الله في أعمالنا، كلّما قامت عقبات أمام متابعتنا لهذه الأعمال بنجاح؛ وكثيرًا ما نلجأ إليه في أحوالنا المتردّية، وبخاصّة الصحّيّة منها، طالبين منه تعالى المساعدة لاستعادة حالة هنيّة، أو أقلّه، مرضيّة؛ أمّا في مجال المعرفة، فغالبيّة الناس يكتفون بالمكتسب لديهم منها، وبما يكتسب، من دون جهد، عبر العيش والخبرة؛ وإذا ما دخل بعض الناس ميدان التفتيش عن المعرفة، فإنّهم يغفلون، بوجه عامّ، اللُّجوء إلى الله، وطلب النّور منه، لكي تطرح لديهم قضيّة هذا الوجود البشريّ، ببُعدَيه الزمنيّ والأبديّ، ولكي يتمكّنوا من تلمّس بعض أسراره الخفيّة، ولكي يرتقوا إلى فسحة انقشاع في ديجوره المظلم؛ وذلك، على ضوء الوحي الإلهيّ، وتعليم الكنيسة، وأمثولة القدّيسين، وعبر قراءة مترويّة لتدخّلات الله في تاريخ البشر، وفي تقلّبات الطبيعة.

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

"ويل"

 

 تعبّر هذه الكلمة عن ألم عميق في النفس، يتجسّد في نوع من الغضب المقدّس، ويشبه التحذير النبويّ (آش ٥/٨-٢٥؛ إر ٨/٨-٩؛ ملا ٢/٨).

 

 

  الآية (٥٢)

 

مفتاح المعرفة؟ هو السبيل للدُّخول إلى الملكوت؛ يتحدّث متّى (٢٣/١٣) عن المفتاح الذي به يُغلق باب الملكوت في وجه الناس.

 

هنا إشارة إلى أنّ رفض الشعب ليسوع كان نتيجة مواقف الفرّيسيّين وعلماء التوراة منه! لأنّهم، هم عَمُوا ولم يفهموا الكتب، وقادوا الآخرين إلى عدم الرؤية.

 

  الآية (٥٤)

 

ترقّب الفرّيسيّون يسوع بواسطة جواسيس، كما جاء في لوقا (٢٠/٢٠)؛ لم يحدّد لوقا هويّتهم، بل حدّد قصدهم: تسليم يسوع لأمر الوالي؛ يدعو متّى هؤلاء الجواسيس "أتباع هيرودس" (٢٢/١٦)، ويدعوهم مرقس "فرّيسيّين وأتباع هيرودس" (١٢/١٣). هنا، يبدو واضحًا أنّ رؤساء اليهود قد عزموا على الإيقاع بيسوع (٦/١١؛ ١٩ /٤٧-٤٨). 

 

 

  

الأب توما مهنّا