الثلاثاء السابع بعد عيد ارتفاع الصليب «الإنجيل

 

 

 

 

إنجيل اليوم (متّى 13 / 47 ـ 53)

 

 

47 قال الربّ يسوع: "يشبه أيضًا ملكوت السماوات شبكة ألقيت في البحر، فجمعت سمكًا من كلّ نوع.

 

48 ولمّا امتلأت أخرجها الصيّادون إلى الشاطئ، وجلسوا فجمعوا  الجيّد في سلال، وطرحوا الرديء إلى الخارج.

 

49 هكذا يكون في نهاية العالم: يخرج الملائكة فيميّزون الأشرار من بين الأبرار،

 

50 ويلقونهم في أتّون النار. هناك يكون البكاء وصريف الأسنان.

 

51 أفهمتم هذا كلّه؟" قالوا له: "نعم!"

 

52 فقال لهم: "لذلك كلّ كاتب تتلمذ لملكوت السماوات يشبه رجلًا ربّ بيت يخرج من كنزه الجديد والقديم"

 

53 ولمّ أتمّ يسوع هذه الأمثال، انتقل من هناك.

 

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

 

1 ـ أعطي لنصّ إنجيل هذا اليوم، في "الترجمة الليتورجيّة"، عنوانان، الأوّل: "مَثَل الشبكة" (47 ـ 50)؛ والثاني: "الجديد والقديم" (51 ـ 53)؛ نتوقّف، في ما يلي، عند كلّ من هذين العنوانين لتوضيح المقصود واستخلاص العبر.

 

 

2 ـ الآيات (47 ـ 50): تتناول هذه الآيات الأربع عرض المَثَل في الآيتين (47 ـ 48)، وتفسيره في الآيتين الباقتين (49 ـ 50)؛ يشبّه يسوع ملكوت السماوات "بالشبكة" التي تُلقى في البحر، وتلتقط السمك الذي ينضبط فيها، إلى أن تمتلئ؛

 

ويلزم للشبكة صيّادون لكي يلقوها في البحر، ويرفعوها منه إلى الشاطئ في الوقت المناسب، ويقوموا بفرز أنواع السمك المصطاد، و يوصلوا، أخيرًا، هذه الأنواع إلى الأشخاص أو الأمكنة المعدّة لها؛ ويلي هذا العرض للمثل تفسيره: الشبكة هي ملكوت السماوات ، أي كلمة الله وتدبيره الخلاصيّ وتتميم يسوع لهذا التدبير؛

 

كلّ هذا قد أُلقيَ، كالشبكة، في بحر هذا العالم، لكلّ الشعوب، بشخص يسوع المسيح وأعماله وتعاليمه، وبواسطة التوراة والأنبياء والمزامير، قبل مجيئه، وبواسطة الرسل والتلاميذ والكنيسة، بعد صعوده، والصيّادون هم الملائكة؛ و الشاطئ هو نهاية العالم؛ والسمك الجيدّ هم الأبرار؛ والسمك الرديء هم الأشرار؛ وكما السمك الرديء يُطرح إلى الخارج، كذلك، يُلقى الأشرار في أتّون النار، حيث البكاء وصريف الأسنان.

 

 

3 ـ الآيات (51 ـ 53)

 

توجّه يسوع إلى تلاميذه، بعد أن كلّمهم عن ملكوت السماوات في سبعة أمثال: مَثَل الزارع، مَثَل حبّة الخردل، ومَثَل الخميرة، ومَثَل الكنز، ومثل الؤلؤة، وأخيرًا مَثَل الشبكة، الذي نحن في الكلام عنه، توجّه إليهم بالسؤال التالي: " أفهمتم هذا كلّه؟" ، أفهمتم الجديد في هذه الأمثال، بالنسبة إلى القديم الذي كان عندكم؟ وبعد جوابهم ب "نعم"، قال لهم: كلّ كاتب، أي كلّ عالم توراة، تتلمذ، أي سمع وفهم تعليم يسوع الجديد في ملكوت السماوات، "يشبه رجلًا ربّ بيت يخرج من كنزه الجديد والقديم" (52)؛

 

نحن هنا أمام تفكير خاص بمتّى، وثابت لديه؛ يقول هذا التفكير إنّ إنجيل يسوع يحتوي بنوع جديد وأكمل كلّ التوراة القديمة، ولذلك، فكلّ مؤمن بالإنجيل هو كاتب، أي عالم بالتوراة، أكثر من أيّ كاتب آخر أو فرّيسيّ لا يعرف ولا يؤمن إلّا بالتوراة القديمة وحدها.

 

 

 

ثانيًا قراءة رعائية

 

 

1 ـ يعلّمنا مَثَل الشبكة ما علّمنا مَثَل الزؤان: لا فصل بين الأبرار والأشرار إلّا في نهاية الزمان، ساعة تخرج الشبكة إلى الشاطئ؛ هكذا يكون الأبرار والأشرار معًا في الكنيسة؛ نشير إلى أنّ هذا المَثَل يذكر مصير الأشرار فقط، ذلك بمثابة تحذير للأبرار، ونداء لهم، لكي يثبتوا في اختيارهم فرح الملكوت (44)، لا بكاء الجحيم (50).

 

 

2 ـ الآية (51): الفهم يتبع السماع، وهو يتكوّن من الإصغاء إلى تعليم يسوع ، ومن الالتزام بما يطلبه (راجع متّى 15 / 10).

 

 

3 ـ الآية (52): كلّ كاتب تتلمذ لملكوت السماوات هو تلميذ استمع إلى يسوع وفهم تعليمه؛ قد يعني هذا أنّه كان بين سامعي يسوع فئة من المتعلّمين، ولم يكونوا كلّهم من الأمّيّين (رسل 4 / 13)، ولا من الرعاع (يو 7 / 49)؛ ويرد في رسل (16 / 1) ذكر ليدية، بائعة الأرجوان، والنساء الشريفات، وديونيسيوس الأريوباغيّ أحد أعضاء مجلس مدينة أثينا    (رسل 17 / 34 )؛ ربّما كان المدوّن لإنجيل متّى "كاتبًا"، وصار مسيحيًّا؛ ونشير أخيرًا إلى أنّ كلمة "كنزه" تعني التعليم التقليديّ لدى المعلّمين اليهود بعد أن جدّده الإيمان بالمسيح، أو تعليم العهد القديم كما تمّ في فم يسوع، وأعلن بواسطة الرسل في الجماعات المسيحّة الأولى.

 

 

4 ـ الآية (53): "ولمّا أتمّ". بهذه العبارة تنتهي خطبة يسوع الثالثة (ف 13)، كما بها انتهت خطبته الأولى (ف 5 ـ 7 / 29)، والثانية (ف 10)، وكما بها ستنتهي خطبته الرابعة   (ف 18)، والخامسة (ف 24 ـ 25)؛ وما أن ينتهي يسوع من الكلام حتّى ينطلق إلى العمل.

 

 

                                                                      الأب توما مهنّا