الثلاثاء الثاني من الصوم الكبير «الإنجيل

 

 

 

 

إنجيل اليوم  (متّى 7: 1-12)

 

1 لا تَدينوا لِئَلاَّ تُدانوا،

 

2 فكَما تَدينونَ، وبِمَا تَكيلون يُكالُ لكُم.

 

3 مَا بَالُكَ تَنظُرُ إِلى القَشَّةِ في عَينِ أَخيك، ولا تُبَالي بالخَشَبَةِ الَّتي في عَينِكَ؟

 

4 بل كيفَ تَقولُ لأَخيكَ: "دَعْني أُخرِجُ القشَّةَ مِن عَينِكَ، وها هي الخَشَبَةُ في عَينِكَ أنتَ؟.

 

5 يا مُرائي، أَخْرِجِ الخَشَبَةَ أَوَّلاً مِن عَينِكَ ، وعِندَئِذٍ تُبصِرُ جيِّدًا فتُخرِجُ القَشَّةَ مِن عَينِ أَخيك.

 

6 لا تُعطُوا المُقدَّسات للكِلاب. ولا تَطرَحُوا جَوَاهِرَكُم أمَامَ الخَنَازِير، لِئَلاَّ تَدوسَهَا بِأَرْجُلِها، وتَرْتَدَّ عَلَيكُم فتُمَزِّقَكُم.

 

7 اسأَلوا تُعطَوا، اطلُبوا تَجِدوا، إقرَعوا يُفتَحْ لكُم.

 

8 فَمَنْ يَسأَلْ يَنلْ، ومَنْ يَطلُبْ يَجِدْ، ومَنْ يَقرَعْ يُفتَحْ لَه.

 

9 أيُ إنسانٍ مِنكُم يَسأَلُهُ ابنُهُ خُبزًا فَيُعطِيهِ حَجَرًا؟

 

10 أَو يَسأَلُهُ سَمَكَةً فَيُعطِيهِ حَيَّة؟

 

11 فإِذا كُنْتُم، أَنتُمُ الأَشرار، تَعرِفُونَ أَن تُعْطُوا أولادَكُم عَطَايَا صَالِحَةَ، فَكَم بالأحرَى أَبوكُمُ الَّذي في السَّمَاوات يَمنَحُ الصَّالِحَاتِ لِلَّذينَ يَسأَلونَه!

 

12 فكُلُّ ما تُرِيدُونَ أَن تَفْعَلَهُ النَّاسُ لَكُم، افعَلُوهُ لَهُم أنتُم أيضًا. هذِهِ هيَ التِّورَاةُ والأَنبِيَاء.

 

 

 

أوّلًا قرائتي للنصّ

 

 أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم أربعة عناوين، الأوّل "لا تدينوا" (1-5)؛ له نصّ موازٍ في لوقا (6: 37-38؛ 41-42)؛ والثاني "صون المقدّسات" (6)؛ والثالث "اسألوا تُعطَوا" (7-11)؛ له نصّ موازٍ في لوقا (11: 9-13)؛ والرابع "القاعدة الذهبيّة" (12)؛ له نصّ موازٍ في لوقا (6: 31).

 

 

 تحت العنوان الأوّل "لا تدينوا" (1-5): يأمرنا الربّ بقول صريح ومقتضب "لا تدينوا، لئلّا تدانوا"؛ ويضيف، موضّحًا بأنّه على ما ندين إخوتنا، وكما ندينهم، سنُدَانُ نحن أيضًا؛ و يتابع قائلًا: لماذا، يا ترى، ينظر مَن يدين غيره إلى النقص الخفيف (القشّة) في أخيه، ولا يتنبّه إلى النقص الكبير (الخشبة) فيه هو؟ ولماذا تسمح، يا هذا، لنفسك بإزالة النقص الخفيف من أخيك، ولا تفكّر بإزالة النقص الكبير فيك؟

 

ويختم الربّ كلامه بوصف من يدين غيره، "بالمرائي"، داعيًا إيّاه إلى التقيّد بالترتيب التالي.

 

التنبّه أوّلًا، إلى النقص الذي هو فيك، والعمل على إزالته، لكي تتمكّن ثانيًا، إذا ما حصل ذلك، أن تميّز جيّدًا النقص في أخيك، والعمل بالتالي على إزالته.

 

 

 وتحت العنوان الثاني"صون المقدّسات" (6): هذه الآية خاصّة بمتّى، نجهل إطارها في حياة يسوع التاريخيّة، وما كان يقصده حصرًا؛ معناها العامّ إنّه من الفطنة أن يعرف الإنسان مع من يتعامل، ليكون حذرًا مِمَّن لا يقدّر القيم حقّ قدرها؛ و قد طبّقها التقليد الكنسيّ على سرّ الإفخارستيّا، الذي لا ينبغي أن يعطى إلّا لمن يستحقّه.

 

 

 وتحت العنوان الثالث "اسألوا تُعطَوا" (7-11): يأمرنا الربّ بأن نسأل ونقرع ...؛ ويؤكّد لنا بأنّ الله يفتح لكلّ من يقرع، ويلبّي كلّ مَن يسأل، ويتخطّى بكثير الآباء، فيما بيننا، الذين يحسنون العطايا لأولادهم، إذ يمنحنا الصالحات بكلّ سخاء.

 

 

 وتحت العنوان الرابع: "القاعدة الذهبيّة" (12): يختصر يسوع هنا التوراة والأنبياء، في مبدأ مساواة الآخر بالنفس، وحبّه كنفسنا؛ كذلك بولس في (روم 13: 8-10)؛ أمّا في متّى، فيشمل يسوع الوصيّتين: محبّة الله والقريب معًا (متّى 22: 40).

 

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 يتناول هذا النصّ موضوع سلوك المؤمن تجاه الأخوة، والطرق الواجب اتّباعها لتحقيق مشيئة الله في هذا المجال: واجب الامتناع عن الدينونة، مع صورة القشّة والخشبة؛ وواجب احترام مسيرة كلّ إنسان، مع صورة المقدَّسات والكلاب؛ وواجب الطلب من الله بثقة مع انتظار عطاياه السخيّة؛ التقيّد بالقاعدة الذهبيّة: عامِلوا الآخرين، واعملوا لهم قبل أن يعملوا لكم، بادروهم أنتم واصنعوا لهم ما تريدون أن يصنعوه لكم.

 

 

 

في  الآيات (1-6) أُعطيَ لنصّ إنجيل لهذه الآيات العنوان التالي: "إدانة الآخرين".

 

 لا تدينوا (1): الله هو الديّان، فلا نأخذ مكانه؛ لا نعرف قلب الإنسان ونواياه؛ يمكن أن نعطي حكمًا على القريب، أقلّه في ما يظهر من أقواله وأعماله؛ لكن الحذر من احتقاره، والحكم عليه بقساوة.

 

 القشّة والخشبة (3): تدلّ القشّة على خطأ بسيط، وتدل الخشبة على خطأ فادح؛ المؤمن الذي لا يرى الخشبة في عينه، ويرى القشّة في عين أخيه ظالم لا محالة.

 

 يا مرائي (5): هو مَن يخفي شخصيّته الحقيقيّة وراء مظاهر خادعة؛ نيّته شرّيرة.

 

 الكلب (6): هو من خارج البيت، ولا يحقّ أن يدخل البيت؛ لقّبَ اليهودُ الوثنيَّ بالكلب، لأنّه ليس من شعب الله، ولا يعرف الأشياء المقدّسة في شعب الله.

 

المقدّسات (6): التقادم المقدّسة؛ لا يُشرَك الوثنيّ في عشاء الربّ (في خطّ استبعاد اللامختون من المشاركة في الفصح اليهوديّ)؛ ولا يعطى التعليم المسيحي قبل الأوان: ما كان آباء الكنيسة يسلّمون الموعوظين أسرار الكنيسة دفعةً واحدة؛ وبولس الرسول، أعطى القورنثيّين أوّلًا اللَّبَن، ولا الأطعمة القويّة، لأنّهم كانوا جسديّين (راجع 1قور 3: 2-3؛ عب 5: 12-14).

 

 

 

3- الآيات (7-12): أعطي لهذه الآيات العنوان التالي.

 

"اطلبوا تجدوا":

 

 نحن، هنا، أمام دعوة المؤمن إلى الطلب الذي يرد، هنا، خمس مرّات؛ هذه الدعوة لا تتعارض مع دعوته، في مكان آخر، إلى الاتّكال على الله الذي يعرف ما نحتاج إليه (6: 8، 25، 34)، لأنّ المقصود من تكرار الطلب، هنا، هو الدلالة عن علاقة بنويّة حقيقيّة.

 

 

إن كان الآباء، على الأرض، يعطون أبناءهم ما هو صالح، فماذا تراه يفعل الآب السماوي؟

 

 

يطلب يسوع من المؤمن الأخذ بالقاعدة الذهبيّة (12)، التي جاءت في صيغة النفي في العالم اليهوديّ والوثنيّ، فيتجاوز نفسه باستمرار، ليكون على مستوى الله الآب، الذي يفرح بأن يعطينا العطايا الصالحة.

 

 

 

 

الأب توما مهنّا