الثلاثاء الثالث من زمن العنصرة «الإنجيل

 

 

 

إنجيل اليوم  (يو 16/ 12 ـ 15)

 

 

12 قال الرّبّ يسوع: "لديّ امور كثيرة أيضًا أقولها لكم، ولكنّكم لا تقدرون الآن أن تحتملوها.

 

13 ومتى جاء روح الحقّ فهو يقود خطاكم في الحقّ كلّه، لأنّه لا يتكلّم بشيء من عنده، بل يتكلّم بكلّ ما يسمع، وينبئكم به .

 

14 وهو سوف يمجّدني لأنّه سيأخذ ممّا لي وينبئكم به.

 

15 كلّ ما هو للآب هو لي. لهذا قلت: إنّه يأخذ ممّا لي وينبئكم به".

 

 

 أولاً  قراءتي للنصّ

 

 

 يشير يسوع إلى الفرق الشاسع بين الكمّ من الأمور التي يحملها إلينا من لدن الآب، ويريد أن يقولها لنا، عبر تلاميذه، وبين قدرة التلاميذ على الإستعاب.

 

تلك الأمور هي كثيرة، أمّا قدرة التلاميذ على الإحتمال فقليلة وما دونها بكثير؛ لذلك، يعد يسوع التلاميذ، وبالتّالي يعدنا، أن يرسل إلينا الروح من لدن الآب، هو الروح الحقّ، الذي سوف يقود التلاميذ، خطوة خطوة، والكنيسة التي ستبدأ معهم رحلتها الزمنيّة، إلى الحقّ كلّه؛ لذلك نلحظ اليوم، أنّ المعطى الإيمانيّ المسيحيّ في،  تعبيره البشريّ، قد بلغ مقدارًا من الغنى يعجز عن إستيعابه كبار الموهوبين والمتخصّصين من المسيحييّن .

 

 

وتجدر الإشارة، مع ذلك، إلى أنّ البشارة المسيحيّة لا تزال قيد الظهور والوضوح والفهم، بفعل الروح القدس، العامل في الكنيسة بطريقة متواصلة حتّى إنتهاء العالم؛ إنّه يعمل في أعضاء الكنيسة، في قدّيسيها، والآخذين بدرس الكتب المقدّسة، وفي معلّمي العقيدة والمنتجين في كلّ هذه المجالات، وفي حياة المؤمنين الأبرار...؛ وهكذا تضاف على الدوام، معطيات جديدة على المعطى المتكوّن فيصبح أكثر تفاعلاً وتلاؤمًا مع ذهنيات الناس المتجسّدة وحياتهم على اختلاف أشكالها.  

 

وحي الروح القدس هذا لا يتناول شيئًا خاصًّا به: إنّه، أي الروح، لا يتكلّم بشيء من عنده، بل بما يسمع، وبخاصة عن الآتي الذي سيحقق في آخر الزمان؛ فما يوحيه الروح جديد بالنسبة إلى الكنيسة والمؤمنين والعالم، وليس جديدًا في ذاته، لأنّه مأخوذ من يسوع، وممّا أخذه يسوع من الآب؛ هي الحقيقة الإلهّية الخلاصيّة عينها التي صمّم لها الآب، وحققها بابنه الوحيد المتأنّس يسوع، ويتابع تحقيقها، في هذه الأزمنة الأخيرة، بالروح القدس.

 

 

ثانيًا "قراءة رعائية"

 

 

لقد أعلم يسوع تلاميذه بكلّ ما سمع من الآب (15/ 15)؛ ومع ذلك، بقيت لديه أمور كثيرة لم يتح له قولها لهم، بل تركها للروح القدس الذي، من مهمّاته متابعة ما بدأه يسوع؛ هذه الامور التي لم يكن التلاميذ بقادرين على احتمالها، وكانوا بالتالي، بحاجة إلى عطيّة الروح القدس لذلك، هي تلك المختصّة بآلآم يسوع وموته وقيامته وتمجيده.

 

 

 يوصل الروح القدس التلاميذ إلى الحقّ كلّه، المتجلّي في يسوع، إبن الآب المتجسّد؛ كما كان يسوع يعود فيما يقول ويعمل إلى الآب، كذلك يعود الروح القدس، في ما يقول ويوحي ويعلّم، إلى الإبن لذلك، نقول بأنّ الروح لا يحمل وحيًا جديدًا للتلاميذ والكنيسة، بل الوحي الواحد الذي أعطي في يسوع المسيح، هو الوحي عينه الذي يوصله الروح القدس إلى المؤمنين؛ إذن، الوحي الواحد الذي ينطلق من الآب في الإبن بواسطة الروح القدس هو عمل ثالوثي واحد.

 

 

 

الأب توما مهنّا