الثلاثاء الثالث بعد الدنح «الإنجيل

 

 

 

 

إنجيل اليوم  (يو 9: 1 - 12)

 

 

1 فِيمَا كَانَ يسُوعُ مَارًّا، رأَى رَجُلاً أَعْمى مُنذُ وِلادَتِهِ.

 

2 فسأَلَهُ تَلامِيذُهُ قَائِلِين: "رَابِّي، مَن خَطِئَ، هذا أَمْ والِداه، حَتَّى وُلِدَ أعْمى؟".

 

3 أجابَ يَسُوع: "لا هذا ولا وَالِدَاه، ولكِنْ لِتَظْهَرَ فيه أَعمالُ الله.

 

4 عَلَينا، ما دَامَ النَّهار، أَنْ نَعمَلَ أَعمالَ مَنْ أَرسَلَني. فَحِينَ يَأتِي اللَّيل، لا أحَدَ يَقدِرُ أن يَعمَل.

 

5 ما دُمْتُ في العالَمِ فأنا نورُ العالَم".

 

6 ولَمَّا قَالَ هذا، تَفَلَ في التُّرَاب، وصَنَعَ بِالتُّفلِ طينًا، ومَسَحَ بالطِّينِ عَينَي الأَعْمى،

 

7 وقالَ له: "اذهَبْ وَاغتَسِلْ في بِركَةِ شِيلُوح، أي المُرسَل". فَمَضَى الأعمَى واغتَسَلَ وعَادَ مُبصِرًا.

 

8 فقالَ الجيرانُ والَّذينَ كانوا يَرَونَه مِن قَبلُ يَستَعطي: "أليسَ هذا مَن كَانَ يَجلِسُ ويَستَعطِي؟".

 

9 وكَانَ بَعضُهُم يَقول: "هذا هُوَ". وآخَرُونَ يَقولُون: "لا، بَلْ يُشْبِهُه". أَمَّا هُوَ فكانَ يقول: "أنَا هُوَ".

 

10 فقالوا لَهُ: "وكَيفَ انفَتَحَتْ عَيناكَ؟".

 

11 أجَابَ: "الرَّجُلُ الَّذي يُدعَى يَسُوعَ صَنَعَ طينًا ومَسَحَ بِهِ عَينيَّ، وقَالَ لِي: "إِذهَبْ إلى شِيلُوحَ واغتَسِلْ. فَمَضَيتُ واغتَسَلتُ فَأبصَرتُ".

 

12 فَقَالُوا لَهُ: "أينَ هُوَ ذَاك الرَّجُل؟". قَالَ: "لا أعلَم".

 

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

 

 

الآيات (1 - 5): ما إنْ لاحظ تلاميذ يسوع أنّه "رأى"، أي خَصَّ بنظرة عطف، رَجُلاً أعمى منذ ولادته، حتّى سألوه قائلين: "رابّي، مَن خطئ، هذا أم والداه، حتّى وُلِدَ أعمى؟".

 

 

انطلق سؤال التلاميذ من المعتقَد السائد لدى عامّة الشعب أنّ سبب كلّ مرض أو عاهة جسديّة هو روحانيّ، إمّا خطيئة شخصيّة، أو خطيئة وراثيّة، أو روح شرّير؛ فجاء جواب يسوع هنا، يرفض هذا المعتقد بصورة جذريّة واضحة: "لا هذا خطئ ولا والداه"، ويفتح عقلهم، وبالتالي عقلنا، على معتقَد جديد: هذا وُلِدَ أعمى "لتَظهَر فيه أعمال الله"، التي هي قيد التجلّي في يسوع، في أعماله التي هي أعمال الله الآب مرسِلِه؛ فأعمال الله التي ظهرت بيسوع، في مجيئه على الأرض، وبخاصّة في حياته العَلنيّة، لا تزال تظهر في حضور الكنيسة الفاعل (ما دام النهار)، وإلى منتهى الدهر (مجيء الليل)، وبخاصّة في حياة القدّيسين فيها؛ جاء يسوع نورًا للعالم، محقّقًا بذاته وبكنيسته، ما رمز إليه "عمود النار" في (خر 13: 21 - 22)، لا لفترة من الزمن، بل إلى منتهى الدهر، وإلى انتهاء العالم.

 

 

 

 

2- الآيتان (6 - 7)

 

ها هو يسوع يُظهِر عمل الله في الرجل الأعمى، فيشفيه:

 

 

أ- بأعمال يدويّة بسيطة، نعم، ولكنّها رمزيّة، تذكّر بأعمال الأنبياء القدامى، وبعمل الله الخالق عندما جبل الإنسان من تراب ونفخ فيه نسمة الحياة (تك 2 : 7)؛

 

ب- وبإعطائه الأمر بالإغتسال في "بركة شِيلُوح"، المَورِد المائيّ الوحيد لسكّان أورشليم، التي يرى الإنجيليّ فيها رمزًا حيًّا إلى "المُرسَل" يسوع من عند الله الآب، ورمزًا حقيقيًّـا إلى سرّ العماد المقدّس، الذي يغتسل به المؤمن فيرى نور المسيح.

 

 

 

 

3- الآيات (8 - 12)

 

عندما رأى الجيران وعارِفُو الرجل، الأعمى والمستعطي على الطريق، وهو الآن مبصر، قال بعضُهُم: هذا هو نفسُهُ؛ وقال بعضُهُم الآخر: لا؛ هذا ليس هو نفسه، بل هو إنسانٌ آخر يشبهُه؛ وأمام إعلانه عن نفسه أنّه هو الأعمى سابقًا ذاته، التقى الفريقان على الإستفهام عن كيفيّة شفائه: "كيف انفتحت عيناك؟" فأجابهم الأعمى المُبصر، بكلّ صراحة وبساطة، قائلاً: الإنسان المدعوّ يسوع هو الذي شفاني! ثُمَّ وصف لهم كيفيّة عمل الشفاء، كما ورد أعلاه؛ أثارت شهادة الأعمى المُبصِر ليسوع لدى سامعيه الرغبة الشديدة في التعرُّف إلى يسوع، وفي رؤيته حيث هو؛ لذلك سألوه: "أين هو ذاك الرجل؟".

 

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

 خبر شفاء الأعمى، وما أثاره من تساؤلات ومواقف رافضة، المعروض في هذا الفصل التاسع من إنجيل يوحنّا، يرمز إلى سلطان يسوع، وإلى ما يحمل للإنسان من نور وخلاص؛ فالذين ما أرادوا أن يروا معتبرين أنّهم يمتلكون الحقيقة، وقد حكموا على نفوسهم بالعمى، وبالسجن في ظلمة الشرّ؛ أمّا الذين تَقبَّلوا نور المسيح، مثل الأعمى الذي أبصر، فقد انتقلوا من العمى إلى رؤية الإيمان، وعرفوا وأقرّوا أنّ يسوع هو المسيح (يو 20 - 31).

 

 

 

 شرح عبارات وكلمات.

 

 

أ- علينا (4): يسوع مع تلاميذه، مع كنيسته؛ فعمل الكنيسة امتداد لعمل المسيح.

 

ب- ما دام النهار (4): تُشبَّه حياةُ الإنسان بنهارٍ يمتد من الصّباح إلى المساء (الليل)؛ فعلى الإنسان ألّا يضيِّع الوقت؛ وهذا هو وضع يسوع في رسالته.

 

 الآية (5)

 

لا نور في العالم سوى نور المسيح؛ هو وحده حامل الخلاص (8: 12؛ 12: 35)؛ نحن هنا في إطار عِماديّ مع ماء البرْكة ومع النور؛ فالعماد هو استنارة (عب 6: 4)؛ هكذا انتقلَ الأعمى من الظلمة إلى النور على مستوى الجسد، وعلى مستوى الرّوح.

 

 

 

 الآية (6)

 

 

كان للتفل أو للبصاق قوّة شفاء بنظر الأقدمين؛ استعمل يسوع هذه الفعلة المعروفة، ولكنّه أعطاها فاعليّة جديدة (راجع مر 7: 33؛ 8: 22)؛ نلاحظ أنّ يسوع يستعمل وسائلنا البشريّة، بما فيها من التباس (راجع 5: 2 - 9)، ويُعلِن من خلالها حقائق تجعلنا في إطار الملكوت.

 

 

 

 

                                                                    الأب توما مهنّا.