الأربعاء  الرابع من زمن القيامة «الإنجيل

 

 

 

إنجيل اليوم (يو 6/ 1-15)

 

 

1 وعبَرَ يسوعُ  بَعدَ ذلك، بَحرَ الجَليل، أَي بُحَيَرَةَ طَبَرِيَّة.

 

2 وكانَ يَتَبِعُه جَمعٌ كثير، لأنَهُم شاهَدوا الآياتِ الَّتي كانَ يصْنَعُها لِلمَرْضى.

 

3 وَصَعِدَ يسوعُ إلى الجَبَل وجَلَسَ هُناكَ مَعَ تلاميذِهِ.

 

4 وكانَ الفِصحُ، عيدُ اليَهود قَريبًا.

 

5 وَرَفَعَ يسوعُ عَينَيه، ورأَى جَمعًا كثيرًا مُقبِلًا إِلَيه، فقالَ لِفيلِبُّس: "مِن أَينَ نَشتَري خُبزًا لِيأكُلَ هؤلاء؟"

 

6 قالَ يَسوعُ هذا لِيَمتَحِنَ فيلِبُّس، لِأَنَّهُ كانَ يَعلَمُ ما سَوفَ يَصنَع.

 

7 أَجابَه فيلِبُّس: "لا يَكفيهِم خُبزٌ بِمِئَتَي دِينار، لِيَحصَلَ كُلٌّ مِنهُم على شيءٍ قليل".

 

8 وقالَ له واحِدٌ من تَلاميذِهِ، وهو أَندَراوُس، أَخُو سِمْعانَ بُطرُس:

 

9 هُنا صَبِيٌّ معَهُ خَمسَةُ أَرغِفَةٍ مِن شَعير وسَمَكتان، ولكِن ما هذا لِكُلِّ هَؤلاءِ ؟

 

10 قالَ يسوع: "أجلِسُوا النَّاس". وكان في المَوضِعِ عُشبٌ كَثير. فَجَلَسَ الرِّجال، وعَدَدُهم نَحوُ خَمسِةِ آلاف.

 

11 فأَخَذَ يسوعُ الأَرغِفَةَ وشَكَر، ثُمَّ وزَّعَها على الجالِسينَ، بِقَدْرِ ما شاؤُوا. وكَذَلِكَ فَعَلَ بالسَّمَكَتَين.

 

12 وَلَمَّا شَبِعوا قالَ يَسوعُ لِتلاميذِه: "اِجمَعوا ما فَضَلَ مِنَ كَسَرٍ لِئَلاَّ يَضيعَ شَيء".

 

13 فجَمَعوا ما فَضَلَ عنِ الآكِلينَ مِنَ كَسرِ أَرغِفَةِ  الشَّعير الخَمسَة ومَلأُوا اثنَتَي عَشْرَةَ قِفَّة.

 

14 فلَمَّا رأَى النَّاسُ الآيةَ الَّتي صَنَعَها يسوع، أخَذوا يَقولون: "حَقًّا، هذا هوَ النَّبِيُّ الآتي إِلى العالَم".

 

15 وعَرَفَ يسوعُ أَنَّهم يَهُمُّونَ أن يَأتوا وَيَخطِفوه، لِيَجعَلوهُ مَلِكًا، فَعادَ واعتَزَلَ في الجبَلِ وَحدَهُ.

 

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

 

عبر يسوع بحر الجليل (بحيرة طبريّة)، وكان جمع كثير يتبعه، ثمّ صعد إلى الجبل وجلس مع تلاميذه، وكان فصح اليهود قريبًا؛ وإذْ رفع عينيه ورأى الجمع مقبلًا إليه، قال لفيلبّس ممتحنًا: "مِن أين نشتري خبزًا ليأكل هؤلاء؟" (5)؛ أجابه فيليبس، إلى عدم توفّر المال الكافي، وأجابه تلميذ آخر، أندراوس، مشيرًا إلى عدم توفّر الخبز الكافي (إذْ كان هناك صبيّ، معه خمسة أرغفة من الشعير وسمكتان)؛ قال عندئذٍ يسوع: "أجلِسوا الناس"؛ ثمّ أخذ الأرغفة، وكذلك السَّمكتين، وشكر، ووزّعَ ...، فأكلوا وشبعوا؛ وأخيرًا قال: "اجمعوا ما فضل من كِسَر"، فمَلأُوا اثنتي عشرةَ قِفّة؛ رأى الجمع ذلك، فقالوا: "حقًّا، هذا هو النبيّ الآتي إلى العالم"، وإذْ أرادوا أن يخطفوه ويجعلوه ملكًا، توارى عنهم واعتزل في الجبل.

 

كان عيد الفطير وحصاد الشّعير لدى الكنعانيّين قديمًا؛ حافظَ عليه شعبُ التوراة، وجعله ذكرى لتحريره من العبوديّة في مصر على يد موسى، وخروجه ومسيرته الطويلة عبر صحراء سيناء نحو أرض الميعاد، برعاية الربّ وعنايته.

 

 

رفض يسوع حماس الشّعب له، لا لأنّه مُتـَـسَـبَّب من كونهم أكلوا الخبز وشبعوا، وبالتالي، وقتّي فحسب، بل وبخاصّة لأنّه غير ناتج من فهمهم له وإيمانهم به: هو ابن الإنسان الذي ختمه الله الآب (راجع يو 6: 26-27).

 

 

ثانيًا <<قراءة رعائيّة>>

 

تحتلّ معجزة تكثير الخبز والسَّمك مكانةً هامّةً في يوحنَّا: إنّها تدلّ على نهاية نشاط يسوع في الجليل (أرادوا أن يقيموه ملكًا)؛ فيها تعلن العلاقات الجديدة بين البشر في ملكوت الله، والمشاركة والمقاسمة الأخويّة التي يحتفل بها المؤمنون بشكل خاصّ في عشاء المحبّة وكسر الخبز.

 

 

من المُلاحظ أنّ يوحنّا يجعل أفعال يسوع الهامّة في إطار الأعياد اليهوديّة (راجع ٢: 13، 23؛ 7: 2؛ 10: 22)، حيث يعطيها معناها النهائيّ؛ نقول على سبيل المَثَل، لم يعد عيد الفصح ذكرى عبور البحر وخلاص بني إسرائيل من عبوديّة مصر (النظرة اليهوديّة)، بل صار ذكرى ارتفاع الابن (على الصَّليب) حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم (النظرة المسيحيّة)؛ أضِفْ إلى ذلك أنّ الأعياد اليهوديّة كانت المناسبة الأفضل التي فيها وجد يسوع المجال الأوسع (الجمع الغفير) لشهادته، والتي فيها ظهر اليهود في قمّة رفضهم لهذه الشهادة.

 

 

بعض الأعمال تحملنا على القول بأنّ يسوع يريد مشاركة الإنسان في المعجزة: هنا، الطلب من الصبيّ أن يعطي ما معه (الأرغفة الخمسة والسَّمكتين)، وفي عرس قانا الجليل، الطلب من الخدم أن يملأُوا الجرار ماءً؛ يريد يسوع من كنيسته أن تعمل، مهما كان عملها، وهو الذي يكمّل هذا العمل.

 

 

معجزة تكثير الخبز والسَّمك هي الرَّابعة من معجزات يوحنّا السَّبع، هي، بنظر الشَّعب، امتدادٌ لعطيّة المَنّ في البريّة، ويسوع هو موسى الجديد؛ إنّه النبيّ المنتظَر في خطّ موسى (تث 18: 15، 18)، هو المرسَل في نهاية الأزمنة، هو المسيح السياسيّ الذي يرسله الله إلى العالم ليؤمِّن التحرّر الوطني لإسرائيل؛ لهذا أرادوا أن يعلنوا يسوع ملكًا بالقوّة (15)؛ لكنّ يوحنّا يوجّه القارئ إلى ابن الإنسان، وإلى طعام الحياة الأبديّة؛ ويسوع نفسه يرفض مملكة من هذا العالم (18: 36)؛ وهكذا تمّت القطيعة بينه وبين أصحاب النظريّات الشعبيّة حول مسيحانيّة أرضيّة.

 

 

 

شرح عبارات وكلمات

 

 

فقال لفيلبّس (5)

 

لأنّ فيلبّس من المنطقة.

 

ليمتحنه (6)

 

يسوع في يوحنّا يعرف كلّ شيء، ويعرف أنّه سيصنع معجزة تكثير الخبز والسَّمك.

 

الدينار (7)

 

كان الدينار أجرة عامل في اليوم.

 

أرغفة شعير (9)

 

كان خبز الشّعير طعام الفقراء.

 

الكِسَر (12)

 

ليست الفُتَات التي سقطت على الأرض، بل الخبز الذي كسره يسوع؛ يُجمَع في 12 قِفّة (13)، على عدد الرّسل الاثني عشر الذين يرمزون إلى مجمل الكنائس؛ هذا الخبز هو طعام الكنيسة حتّى المجيء الثّاني (راجع مر 6: 43).

 

الأب توما مهنّا