إثنين أسبوع بشارة زكريّا «الإنجيل

 

إنجيل اليوم (يو 8/ 31-37)

 

31 فقال يسوع لليهود الّذين آمنوا به: "إن تثبتوا أنتم في كلمتي تكونوا حقًّا تلاميذي،

 

32 وتعرفوا الحقّ، والحقّ يحرّركم".

 

33 أجابوه :"نحن ذرّيّة إبراهيم، وما كنّا يومًا عبيدًا لأحد! كيف تقول أنت: تصيرون أحرارًا؟".

 

34 أجابهم يسوع:"الحق الحقّ أقول لكم: كلّ من يعمل الخطيئة هو عبدٌ للخطيئة.

 

35 والعبد لا يقيم في البيت إلى الأبد، أمّا الابن فيقيم إلى الأبد.

 

36 فإن يحرّركم الابن تكونون أحرارًا حقًّا.

 

37 أنا أعلم أنّكم ذرّيّة إبراهيم، وأنّكم تطلبون قتلي، لأنّ كلمتي لا تجد فيكم مقامًا.

 

 

أوّلاً قراءتي للنصّ

 

 

يهود كثيرون تأثّروا بكلمات يسوع وآياته، وآمنوا به (يو8/ 30-31)، لكنّ إيمانهم بقي ناقصًا وغير ثابت؛ يحاول يسوع في نصّ إنجيل هذا اليوم، أن يري هؤلاء مكان النقص في إيمانهم، وبالتالي في إيمانهم بإبراهيم بالذات، والّذين هم من ذرّيّته.

 

 

يطلب يسوع من اليهود المؤمنين به أن يصبحوا حقًّا تلاميذه؛ وهذا يتطلّب منهم، هنا وفي هذا النصّ، أن يثبتوا في إيمانهم، أن يثبتوا في الكلمة الحقّ التي سمعوها منه، أن يثبتوا في الحقّ الذي هو مشيئة الله الخلاصيّة التي تكلّم عنها العهد القديم بالأنبياء، وجاء يسوع بالجسد، لكي يبشّر بها، ويحقّقها في العهد الجديد؛ وهذا الحقّ الذي عليهم أن يتمسّكوا به، وأن يثبتوا فيه، هو الذي يحرّرهم من كلّ ارتباط آخر، أكان هذا الارتباط على صعيد المعطى كالتقليد، أو على صعيد المكوّن كالذات الموروثة، ويجعلهم هكذا، تلاميذه حقًّا؛ فاعترض اليهود على كلامه هذا، وذكّروه بافتخار، أنّهم من ذرّيّة إبراهيم، وأنّهم ما كانوا يومًا عبيدًا لأحد، وسألوه عمّا يعني بقوله لهم: "تصيرون أحرارًا"؟.

 

 

 

أجابهم يسوع على اعتراضهم، وعلى تساؤلهم حول: "تصيرون أحرارًا"؟ فأوضح لهم يسوع بأنّه لا يتكلّم عن الحرّيّة الشخصيّة في بعديها النفسيّ والاجتماعيّ (السياسيّ)، والتي يعود تدبير شؤونها، إيجابًا أو سلبًا، إلى الناس، ومقدار تعاونهم المتبادل وكيفيّته، بل يتكلّم عن الحرّيّة الروحيّة الحقيقيّة، عن الحرّيّة الإنسانيّة كونها حريّة، على أساس المبدأ الحقّ الثابت التالي: "كلّ من يعمل الخطيئة هو عبد للخطيئة" (34)

 

 

وبما أنّ الإنسان خاطئ، في ذاته وفي أفعاله، فإنه عبد، وبالتالي محروم من الإقامة في بيت الله خالقه إلى الأبد، ومحتاج وجوديًّا إلى الخلاص، إلى التحرير الذي أعطي  لإبراهيم بصورة وعد، فآمن إبراهيم بصدق هذا الوعد، والذي كان انتظارًا لدى الشعب المختار في العهد القديم، والذي هو قيد التحقيق في آخر الأزمنة بيسوع الابن الوحيد لله، والذي وحده يحرّر الإنسان من عبوديّة الخطيئة والشريعة والموت، ويجعله ابنًا لله، ويجعله ابنًا لله، وارثًا للملكوته إلى الأبد.

 

 

وانتقل يسوع أخيرًا، في جوابه، إلى ما ذكّروه به، مفاخرين، في اعتراضهم على كلامه، بقولهم: "نحن من ذرّيّة إبراهيم"؛ فاعترف لهم بذلك: "أنا أعلم أنّكم من ذرّيّة إبراهيم"؛ ولكن، بما أنّكم "تطلبون قتلي"، فذلك يعني أنّكم من ذرّيّة إبراهيم بالجسد فقط، وهذا غير كافٍ، ولستم من ذرّيّة إبراهيم بالإيمان، لأنّ إبراهيم آمن وفرح بمن أرسله الله من نسله، عندما وعده بإسحق، وبالتالي بيسوع الذي هو النسل الحقيقي لإبراهيم؛ بينما أنتم، فلا تجد كلمتي فيكم مقامًا.

 

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

نحن أمام نقاش دار بين يسوع الذي قال عن نفسه إنّه المرسل من عند الله، وبين اليهود الذين كانوا قد آمنوا به، ولكنّهم لم يصيروا تلاميذه، بل ظلّوا متمسّكين بكونهم من ذرّيّة إبراهيم، وانقادوا أخيرًا، إلى رفضه، واتّهامه بأنّه سامريّ وفيه شيطان (48)؛ لكنّ يسوع دعاهم إلى أن يثبتوا  في كلمته، فيعرفوا الحقّ، لأنّه ابن الله، والحقّ يحرّرهم من الشرّ (31- 50): تعليم يسوع هو حقّ، يبقى على الذين آمنوا به أن يثبتوا فيه (15: 7)؛ الإيمان هنا، هو إعلان بالفم إعلانًا يصل حقًّأ إلى القلب.

 

 

 

الآية (32)

 

الحرّيّة، هنا، هي تحرّر من الكذب (44)، ومن الموت (24، 51)؛ مثل هؤلاء الأحرار يحيون ملء الحياة (10: 10)، في اتّحاد مع الآب والابن؛ إذن، لا يتناول كلام الربّ هنا، الحرّيّة بمعناها السياسيّ أو السيكولوجيّ.

 

 

الآيتان (35-36)

 

الفرق بين العبد وبين الابن: الابن هو في البيت، ويبقى فيه، مع أبيه؛ أمّا العبد، فقد يكون في البيت وفي خارجه، وهو مفصول عن أبيه؛ بالمعنى المطلق، الابن هو يسوع المسيح الذي وحده يملك ملء الحرّيّة، ويدعونا إلى أن نقاسمه هذه الحرّيّة (36).

 

 

الأب توما مهنّا